لقد أصبح من الواضح أن الشعب سيكون هو الغائب الأبرز خلال لقاء "الشعب" الذي سيتم تنظيمه في هذا العام في مدينة النعمة، سيغيب الشعب، وستأتي أفواج من وجهاء القبائل، ومن خلق الاتحاد، ومن أطر لا يتقاعدون أبدا ليحلوا محل الشعب، وليقابلوا رئيسا لم يفارقوه أبدا.
سيصفد الشعب الحقيقي بالسلاسل وبالأغلال في "الليلة المباركة" من شهر أغسطس "المبارك"، وسيظل الشعب مصفدا حتى يعود الرئيس إلى قصره، وتغلق عليه الأبواب من جديد، ويبدأ في الاحتجاب من جديد، حينها، وحينها فقط سيسمح للشعب الحقيقي بالظهور في شوارع مدينة النعمة وفي أزقتها.
لن يلتقي الرئيس بالشعب في مدينة النعمة، لأن الرئيس لا يريد أصلا أن يلتقي بالشعب، ولأن حاشيته أيضا لا تريد له ذلك.
فالرئيس لا يريد أن يسمع من الأنين إلا جشع حاشية، ولا يريد أن يصله من الهموم إلا هموم الحاشية، ولا أن يرى في "الليلة المباركة" إلا الكروش المنتفخة، والأيادي المصفقة، والوجوه الشاحبة لحاشيته، والتي كانت ـ بالمناسبة ـ حاشية من حكم من قبله، وستكون أيضا حاشية من سيحكم من بعده.
تقول الحاشية وهي التي لم تصدق يوما لا في القول ولا في الفعل بأنها تسعى لنجاح "لقاء الشعب"، ولو أنها كانت تسعى حقا لنجاح اللقاء، لاختفت عن الأنظار، ولأوقفت اجتماعاتها و تحضيراتها، ولعدلت عن فكرة الرحيل إلى مدينة النعمة، ولتركت الرئيس يذهب لوحده، ويقابل فقراء وبسطاء النعمة لوحده، ويسمع منهم دون وسيط، ودون أن يشوش عليه ضجيج الحاشية وتصفيقها الذي لا يتوقف أبدا.
إن ما تقوم به الحاشية الآن من اجتماعات قبلية، ومن جمع للأموال الطائلة إنما يهدف أساسا إلى حجب الرئيس عن الشعب، وحجب الشعب عن الرئيس، وبالتالي حجب هموم الفقراء ومعاناتهم عن سيادته. فالرئيس عندما يصل إلى مدينة النعمة، ويلتفت يمينا أو شمالا في "الليلة المباركة"، أو في صبيحتها فلن يرى إلا حاشيته التي جاءت معه ببطونها المنتفخة، وبأثوابها النظيفة، وبأثر "نعيم" المال الحرام على نواصيها.
لن يُسْمح لفقراء النعمة أن يشاهدهم "رئيسهم"، أما أن يكلمهم أو يحاورهم حتى من وراء حجاب فذلك مما لا يحلم به الفقراء.
ومن المؤكد بأن الحاشية ستطبل كثيرا للقاء الرئيس معها في مدينة النعمة، وستصفه بأنه كان لقاء بالشعب، وبفقرائه، وبأن "رئيس الفقراء" لم يخذل خلال ذكرى التنصيب الرابعة الفقراء الذين انتخبوه ذات يوم عصيب من أيام يوليو.
فلتقل الحاشية ما تشاء، وليطبل الإعلام الرسمي كما يشاء، وليزغرد "رجال" الاتحاد كما شاؤوا، ولكن ليعلم الرئيس بأن لقاء الشعب قادم لا محالة، في يوم ستبدل فيه الأرض، وستهرب فيه الحاشية، والاتحاد، والإعلام الرسمي عن "رئيس الفقراء" ليتركوه وحيدا في مواجهة فقراء شعبه أمام حكم عادل لا يظلم عنده أحدا.
وليعلم الرئيس بأن هموم الفقراء التي يعانون منها اليوم في ظل حكمه، والتي كان بإمكانه أن يخفف منها ولكنه لم يفعل، سيحملونها معهم حتى يلاقوه في "لقاء الشعب" القادم، وحينها سيندم الرئيس كثيرا لأنه أضاع الفرصة، ولم يستمع لشكاوى الفقراء ولأنينهم في لقاء مدينة النعمة بدلا من أن يضطر لسماعه بعد حين، وأمام رب وسع كل شيء علما وعدلا، ولن تضيع عنده حبة قمح، أو قرص دواء، أو جرعة ماء، أو وجبة طعام، لأي فقير من فقراء موريتانيا.
وإني كلما تخيلت ذلك اليوم أدركت بأن الذي يثير الشفقة حقا هو رئيس الفقراء لا الفقراء الذين ستنتهي معاناتهم مع الفقر بمغادرتهم لهذه الدنيا على أبعد تقدير، أما الرئيس فستبدأ معاناته الحقيقية عندما يلتقي بشعبه أمام رب العالمين حيث لا تطبيل، ولا تصفيق، ولا اتحاد، ولا وجهاء، ولا تلفزيون، لاشيء من كل ذلك، لا شيء إطلاقا من كل ذلك.
تنبيه: هذا المقال تم نشره بصيغة وبعنوان قريب من هذا العنوان بمناسبة لقاء الشعب في أطار.
حفظ الله موريتانيا..