شهر البذل والعطاء والتضحية والفداء، شهر رمضان، كل يجاري فيه رياح العطاء، هذا ينفق من ماله ، وذاك يسكب من فيض علمه . فعلينا أن نتساءل عن المنظمات الخيرية في الداخل ماذا فيه قدمت ؟، وحق لنا أن نعرف كم من صائم أفطرت، وكم من مائدة بذلت، وكم من ليال تربوية أحدثت، وكم من منبر ميت يحن إلى داع أحيت ؟، وكم من مسكين أطعمت ، وكم من يتيم واست ، وكم من فقير كست ، وكم من طاو شردته الأمطار آوت ، وكم من شارع مغمور بالأوساخ عنه الأذى أماطت ؟.
سنترك الجواب لكل ذي لب فالفهم نعمة والعقل زينة.
نعرف أن هناك من يتصدق بفضل طعامه ويحسبه في وسائل الإعلام من برنامج منظمته الخيرية ، وأن هناك من ليس له من عمل خيري إلا الدعاية بوسائل الإعلام والتطفل على الإدارة ،ومظان الخير لسؤالهم وما يحمل من ملفات مزورة في حقيبته ، ونعرف أن القائمين عليها غالبا من مصرفي الزكاة (فما في المدينة أحوج منا يا رسول الله ) ، فهم يدغدغون المشاعر ويخوضون بحرها للتمول والتكسب . ونعرف أن هناك خيارا أيضا قليلون غرقوا في موج هذا الطوفان (والكرام قليل ) .
إن هناك صنفين يرفعان راية البذل فينا : فحزب تواصل ما يجمعه من أفراده وأهل الخير يجريه في فروع قنواته الخيرية في كل ولاية ، فيصل إلى أيد تمتاز جلها لا أقول كلها بالغلول والمحسوبية والعاطفية واستغلال النفوذ داخل الحزب ، ولا أدل على ذلك من مشروع السقي الأخير في ولاية تقع في الوسط مثلا فقد شربه أغنياء وأقرباء وأصدقاء ، وحرم منه فقراء وجيران ، مما سيكون وبالا على شيعته لو أفشي الأمر ، فهي تجله وترأب به عن حضيض الغش والخداع ، لقد خامر هذا الحزب عندها التنزيه والكمال ، فأولى للإصلاحيين في الداخل العدل قبل البذل والاستقامة في النفس قبل العطاء في العسر .
أما زكاة العلم وبذله وبثه وإحياء آناء الليل وأطراف النهار في هذا الشهر الكريم ، بتدارس العلم ومذاكرته ، فقد غابت عن مشايخ الحزب وأتباعه ، أليس هذا وجه من وجوه الخير ؟ فأين رجاله ؟، لكننا للأسف نقولها بحرقة وحسرة ،ما زلنا نجد عمائم حزبية تستهويها طريقة المشيخة الصوفية التقليدية من حب الأبهة وخرق العادة والرغبة في من يلتمس البركة ويخشى (التزبوت) ، هذا أحب إليها من بذل العلم طواعية ،ومخالطة العامة بشرع الله هداية، فتحيي المنابر ،وتضيء المجالس ،وتزيل الوحشة عن القلوب .
وهناك صنف آخر يرفع راية البذل فينا من المنظمات يستفيد أهلها من الدولة والمنظمات التنصيرية ويخشاها المسؤولون عندنا ، ويدنونها بلهف، لانتسابهم غالبا للحزب الحاكم ،فهؤلاء يأكلون المال العام بنهم حين يسلك في مجاريهم إلى الأيتام أو الفقراء أو نظافة الأحياء إلا من رحم ربي وقليل ما هم . وهل نحن نسينا تمويل نظافة إحدى عواصم الولايات وما ذاك عنا ببعيد.
دليلي على ما أقول عن هذه المنظمات في الداخل ، أن المواطن المسكين في جل الولايات لايعلم بهذه المنظمات ولا يعرف أماكنها ولا القائمين عليها إلا أن يكون ذا قربى أو جارا أو مثقفا يقرأ ويسمع اللافتات و الإعلام أو صاحب عربة يحمل الأمتعة دائما إلى مقارها ، فهؤلاء لا أعنيهم . فالمنظمات فينا أدنى إلى ظواهر صوتية ولافتات ترويجية وهم من وراء القصد أنأى عما يدعون .