الوحدة الوطنية حققتها الفطرة حين عجز الساسة عن تحقيقها ، فلقد أثبتت أرواح الموريتانيين بغض النظر عن اللون أنها متحابة و متجانسة رغم أنف كل من لا يريد لجميع ألوان المجتمع أن تتناكح لتصنع أجمل صور العالم ، لتدفع بذلك عجلة تطور الدولة الموريتانية إلى الأمام .
رغم أنها كانت وحدة وطنية مؤقتة مرتبطة بحركة الادرينالين في أجسادنا إلا أنها كانت مميزة و رائعة ، و تمنى كل واحد منا لو يحتفظ بها ، و يخبئها في قلبه الصغير ، و كانت تجربة أداء خضنا غمارها و نجحنا فها ، و أثبتنا أنه بقدورنا التطور و مواكبة الحياة و صنع دولة عصرية ، أساسها الحب و الاحترام .
إلا أن هذا المشهد يبدو أدراميا بعض الشيء ، فنحن لم نسمع يوما بمجتمع حقق وحدة وطنية في تسعين دقيقة ، و الحقيقة أننا لم نحقق وحدة وطنية بمعنى الكلمة بل القضية وحدتنا فاجتمعنا و هذا لعمري أمر رائع و نبيل ، فنحن اجتمعنا على مباراة كرة قدم و كسبناها و أثبتنا أن اختلافنا مصدر قوتنا و سعادتنا فلماذا لا نجتمع على الوطن ، فنحب له التقدم بنفس الشغف الذي أحببنا به الفوز في المباراة .
و لأنني أحاول دائما أن أكون واقعيا فلم أمشي البارحة في بريق الوحدة الوطنية التي ادعى البعض ، و لم أأمن بها حتى ، لأننا مجتمع مسلم يجب أن يوحده الدين بدل كرة القدم ، و لأننا مجتمع مسالم يجب أن يوحده حب الأمن و الأمان ، و لأننا مجتمع جائع يجب أن نجتمع على حب الرغيف و كسرة الخبز و أن نقف في صف واحد دون تمييز أمام دكاكين التضامن ، فمجتمع لم توحده عقود من الزمن من المستحيل أن توحده تسعين دقيقة ، هكذا حين ننظر إلا الواقع بلا طلاسم ، و لا كننا حين نسمع كلام السياسيين و المشعوذين سنظن فعلا أننا حققنا الكمال و أننا وصلنا قمة الرقي و التقدم و ذروة الوحدة الوطنية ، و هو ما قد يصيبنا بالكسل فنفتر عن البحث عن السعادة و التقدم الذين لن نحققهما إلى بالوحدة الوطنية التي لن نحققها ما دمنا نتوهم أننا حققناها .
البعض يكتفي بما يسمى "التعايش السلمى " و الحقيقة أن التعايش السلمى لسنا نحن من حققه بل الواقع فرضه ، ففي ظل الشريعة الإسلامية السمحاء كل المسلم على المسلم حرام دمه و عرضه و ماله ، و في ظل القانون أيضا يتأكد التعايش السلمى ، و لكن كل هذا رغما عنا مما يجعله في نظري قليل الأهمية فما أوده هو أن نحب بعضنا بشغف و يشعر كل منا أن الأخر أخوه و بن وطنه ، لا أن يكون الرادع الدنيوي أو الأخروي هو الوحيد الذي يضمن أن بعضا لن يفتك ببعض . .
الوحدة الوطنية ليست مجرد شعرات بل إحساس نتنفسه ، و واقع نعيشه هي أن نرمي بالتمييز حسب اللون أو الجهة أو القبيلة أو الطائفة عرض الحائط ، هي أن تزرع في أعماق ذاتك أننا جميعا لآدم و أن آدم لتراب ، و أن الله لا ينظر إلى ألواننا بل ينظر إلى قلوبنا ، و ما دمنا نفرح كثيرا بتحقيق الوحدة الوطنية فلماذا لا نسعى حقا إلى تحقيقها ...؟