الدور الاجتماعي للقبيلة في ظل الدولة الحديثة : أحد محاور الندوة التي نظمتها وكالة كيفه للأنباء في الثاني يونيو 2013 والذي قدمه المحاضر المصطفى سيدات باحث اجتماعي,

المحاضرة :

إن القبيلة ككيان اجتماعي ظهرت مع ظهور الإنسان حيث كانت تمثل حاجة ملحة وطبيعية للوجود البشري وما يقتضيه ذلك الوجود من متطلبات لعل أبرزها الحماية والغذاء , ولم تكن التجمعات البشرية الأولي أكثر من مجموعات أسرية مغلقة علي نفسها تتبادل المنافع والعلاقات الاجتماعية فيما بينها , وبتوسع وتمدد تلك التجمعات وتطور الحاجات البشرية مع ذلك التوسع لتتجاوز مجرد حاجة البقاء والتكاثر إلي حاجات أخري أكثر بعدا تجريديا مثل المجد و السلطة والتنافس بدا الصراع ينمو بين التجمعات البشرية وبدأت الحاجة تتبلور أكثر للانتماء إلي مجموعات اكبر عددا لتحقيق اكبر قدر من متطلبات الحياة المادية والمعنوية ومن هنا بدأت تتشكل الخيوط الأولي للقبيلة .

وبناء علي ما سبق يجوز القول بان التاريخ البشري قد عرف التجمع القبلي مبكرا وفي شتي أنحاء المعمورة حيث لم تكن القبيلة ظاهرة أسوية وافريقية كما يعتقد البعض بل كانت ظاهرة شاملا لكل أصقاع العالم .

ومهما يكن من أمر يبقي السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبكل إلحاح هو : هل بقي للقبيلة من دور اجتماعي تلعبه في ظل الدولة المعاصرة ؟ أو بعبارة أكثر جلاء : أما آن للقبيلة أن تتواري لتفسح المجال للدولة الحديثة : دولة الفرد والمجتمع ؟

تمثل هذه الإشكاليات مع غيرها محور المداخلة والتي ستتركز وبدافع منهجي ومراعاة للتوقيت علي المواضيع التالية:

1- القبيلة من المنظور السوسيولوجي

2- الدولة كمفهوم وكقالب اجتماعي معاصر

3- الخطوات العملية والإجراءات الكفيلة بترسيخ قيم ومفاهيم الدولة المعاصرة

1- القبيلة من المنظور السوسيولوجي :

إن الحديث عن القبيلة كبنية اجتماعية يستوجب في البداية الحديث عن العصبية فهما وجهان لعملة واحدة فالعصبية في اللغة: مشتقة من ((العَصْبِ))، وهو: الطَّيُّ والشَّدُّ. وعََصَبَ الشيءَ يَعْصِبُهُ عَصْبًا: طَوَاه ولَوَاه، وقيل: شدَّه. والتَّعَصُّب: المحاماة والمدافعة.

والعََصَبَة: الأقاربُ من جهة الأب، والعُصْبَة والعِصَابة: الجماعة؛ ومنه قوله تعالى: وَنَحْنُ عُصْبَةٌ [يُوسُف: 8]، ومنه حديث: ((اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هَذِه الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ))[2].

وعَصِيب: شديد؛ ومنه قوله تعالى: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هُود: 77]. والعصبية اصطلاحا حسب الأزهري : أن يدعو الرجل إلي نصرة عصبته والتألب معهم علي من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين , أما ابن خلدون فقد عرفها بأنها : النعرة علي ذوي القربى وأهل الأرحام . وعرفها البعض الأخر بأنها : رابطة سيكولوجية (نفسية ) شعورية ولا شعورية معا تربط أفراد جماعة ما قائمة علي القرابة ربطا مستمرا يبرز ويشتد عندما يكون هنالك خطرا يهدد أولئك الأفراد كافرا د أو كجماعة .

وهناك من الباحثين من عرفها بأنها ( رابطة الدم ) أو ( تكاتف اجتماعي ) أو ( تضامن قبلي ) إلي غير ذلك من تعريفات وتفسيرات تدور في مجملها حول معنيين رئيسيين هما الاجتماع والنصرة .

والقبيلة من الناس : بنو أب واحد ومعني القبيلة من ولد إسماعيل : معني الجماعة يقال لكل جماعة من اب واحد قبيلة , والمتتبع للنظام الاجتماعي عند العرب يدرك بعاجل استقراء إن هذا المفهوم كان واسعا في الجاهلية ثم هذبه الإسلام فاقر بعضه ونهي عن بعض .

وتتمثل سعة النظام الاجتماعي في العهد الجاهلي في قبوله انضمام افراد للقبيلة لا ينتمون إلي أبيهم ومن صور ذلك في مجتمعنا الشنقيطي كونفدرالية تشمشه في الجنوب الغربي الموريتاني كما ورد في كتاب حرب شرببه للدكتور محمد المختار ولد السعد , وما اورده المؤرخ الفرنسي ابيير اميلهات في كتابه la chronique de Idewich عن قيام كونفدرالية أهل سيد محمود في المنطقة الواقعة جنوب تقانت .

وقد قامت القبيلة ولا زالت تقوم في بعض المجتمعات الراهنة بادوار اجتماعية وحضارية في غاية الأهمية ولها مكانتها المعتبرة في سلم الانجازات التاريخية بل كان لها من الايجابيات ما هو معتبر اذ أن تاريخنا في القرون الوسطي وما قبلها كمجتمعات افريقية وعربية هو تاريخ قبائل ولقد تعاطي الإسلام مع القبيلة كمعطي تاريخي له ايجابيات كبري ووظف ذلك المعطي في خدمة أفراده حيث جعل العاقلة عليها واحيي في إطارها قيم التكافل الاجتماعي ونظم آصرة الرحم وانشأ لها حقوقا في الميراث والزواج ........ مع هذا كله سعي للتخلص من السلبيات المرافقة للمفهوم القبلي ممثلة في النسب والتفاخر به والتنافس من اجله وسمي تلك القيم بدعوي الجاهلية وحاول الإسلام في عهد النبوة المباركة إعادة ترتيب العلاقات الاجتماعية وإعادة تحديد مقومات الكفاءة الاجتماعية والتي كان يدور حولها الفعل الاجتماعي في محيطه القبلي فجعل الدين من أهم دعائمها وليس النسب فكانت القبيلة في ظل الدولة الإسلامية : مجرد وعاء اجتماعي لتنظيم التواصل والتعارف بين الناس .

وعلي مستوي بلاد شنقيط لعبت القبيلة دورا رياديا في حماية الأفراد وتربية الناشئة وغرس قيم الخير والبر والتعاون غير أن كل ذلك كان يتم علي حساب الآخر حيث أنتجت تلك البيئة صراعات وعداوات أهلكت الحرث والنسل بل وأكثر من ذلك خلقت وضعا كان ادق وصف له هو البلاد السائبة .

2- الدولة كمفهوم وكقالب اجتماعي معاصر:

الدولة في اللغة العاقبة في المال والحرب وقيل بالضم بالمال وبالفتح بالحرب وقد ورد لفظ الدولة في القران الكريم في قوله تعالي : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) أما اصطلاحا فتعرف بأنها : شعب مستقر علي إقليم محدد وخاضع لسلطة معينة . ويتضح من خلال ذلك بأنه لقيام الدولة لابد من توفر ثلاثة أركان هي : الشعب والإقليم والسلطة .

3 – الخطوات العملية والإجراءات الكفيلة بترسيخ قيم ومفاهيم الدولة المعاصرة : ان تحقق الدولة الحديثة روحا ومعني يستوجب اولا وقبل كل شيء التخلص من الفكر القبائلي وثقافته السالبة , فالقبيلة قد ظلت تخلق خطابا مغايرا للخطاب العام وتنشئ عليه افرداها علي مر العصور مما يجعل أي خطاب مخالف له عاجزا عن الوصول إلي مستوي التأثير الذي وصل إليه ذلك الحطاب في سيكولوجية الفرد وتنشئته الاجتماعية , وهي علاوة علي ذلك تمثل بيئة خصبة للنزاعات والتفاوت الطبقي وحضنا دافئا للتمييز العنصري .

ومن ثم فان تجاوز ثقافتها السلبية لا يمكن أن يتأتي إلا عبر الخطوات التالية :

ا – علي المستوي القانوني : خلق ترسانة قانونية تلغي سلطة القبيلة المنتشرة علي الأرض لتحل سلطة الدولة بديلا لها , فالقبيلة في بلادنا تشكل كيانا له شعبه وشعاره وتاريخه وحيزه الجغرافي الذي ينفرد باستغلال ثرواته . وهنا يتحتم إيجاد نصوص تجرم أي حيازة للأراضي باسم القبيلة خارج طرق التملك القانوني التي تتم من طرف الدولة.

ب _ علي المستوي الثقافي : تنظيم حملات تعبوية شاملة بهدف نشر ثقافة واعية في المراحل التعليمية الأولي تعلي من شان الدولة وتحد من شان القبيلة وتبين سلبياتها عبر التاريخ وتضع القبيلة وثقافتها بشكل عام في إطارها الشرعي والتاريخي .

ج _ علي المستوي الاجتماعي : خلق مؤسسات بديلة للمؤسسات الخدمية التي كانت تشرف عليها القبيلة إذ يتحتم خلق بدائل لإدارة تكافل اجتماعي بديل عبر جمعيات مدنية خيرية واجتماعية تشرف عليها مؤسسات رسمية ومدنية تسعي لمساعدة المحتاجين ومؤازرة الفقراء وأصحاب الحاجات الخاصة .

وشكرا