في بداية سنوات الثمانينات 80-81 كان اخى يسافر خارجا لمواصلة الدراسة وكان حين يسافر استفيد أنا مما يتركه من بقايا كتب ومجلات ... .
"عالم يعتاش على آخر".
كانت فرصتي لرؤية الصور الملونة في المجلات العربية والتمتع بها وأحيانا قراءتها" ما استطعت وهو قليل ".
كان من بين تلك الكتب التي ساعدتنى في فهم وتبنى قضية فلسطين كقضية أولى للعرب وللمسلمين كتاب صغير بالأبيض والأسود يحوى صورا مؤثرة تظهر فيها بعض الأرجل المقطوعة وبعض الأشخاص الذين تبدو عليهم آثار التعذيب في القدمين وفى البطن والظهر وكان ذلك بالنسبة لي لا يمكن تصوره أبدا تحت أى ظرف. إنها أولى الصور التي ستؤثر لاحقا في مسار حياتي وستجعلني في النهاية أتخطى حدود اللون و الجنس والمعتقد من أجل الإنسان فقط..
كان من بين ما يترك أخي أيضا جهاز راديو صغير أسود استحوذ أنا عليه أيضا خلال السنة قبل أن يعود هو في الصيف كنت أعرف كيف أشغله وأستمع إلى إذاعة البي بي سى و البلاغات الشعبية أيضا من اجل جدتي التي فرقتها ظروف الحياة مع أبنائها في المدن وتنتظر أخبارهم عبر ذلك البرنامج الناحج الذى مازال يؤدى رسالته الرائعة الى اليوم...
استمر الوضع بعض الزمن ثم انتقلت إلى والدتي في المدينة وغادرت القرية وما زلت يومها احتفظ بنفس الراديو. كان ذلك قبل الغارات الاسرائلية على المفاعل النووى العراقى بقليل. إننى أتذكر ثورة الغضب التي أصابتنى من ضرب مفاعل العراق، أتذكر الظلم ولا أعرف شيئا عن موازين القوى في العالم، كنت أميز الظلم فقط إنه الظلم بعينه ... وهذا أيضا ما سيرسى في داخلي ميزان عدالة آخر لا يخضع للعرق ولا للون ولا للدين، إنه يعترف بالإنسان فقط وبحقوقه وسط هذا العالم المتلاطم الأمواج..
توالت الأيام وجاءت ضربة أمريكا لليبيا فكرهت منطق القوة هذا الذي يجعل الضعفاء هدفا سهلا للأقوياء يملون شروطهم من خلال قوتهم وزاد إيمانى بالإنسان و تعلمت أن على الضعفاء ابتكار أسلوب جديد لا يخضع لنفس المعايير التي مازال أغلبنا يستغلها ويعمل بها حتى نستطيع العيش وسط الأقوياء.
في موريتانيا كانت قضية فلسطين قضية موريتانية أولى من التنمية وأهم من المواطن المريض والجائع والعريان. وهكذا كنا جيشا وحضنا وظهيرا لهذه القضية حتى انقلب بعض أبنائنا على مصالحنا لاحقا من اجل عيون حماس فلسطين. كانت أخبار فلسطين خبرا وطنيا كبرنا معه وكبر داخلنا، سرى منا مسرى الدم في العروق، كنا وأجيال الستينات والسبعينات وما تلا ذلك حتى بداية 2000 نتقاسم نفس الأحزان ونتوق للأمل نفسه ونتصور أنه بحل قضية فلسطين ستحل جميع مشاكلنا. لم نكن ندرك أكثر من ذلك فتنمية "العقول" هنا لا تحظى باهتمام كبير، لم يكن الدواء والغذاء والتعليم يشكل لنا هاجسا لقد صيغت عقولنا وحشيت أدمغتنا وفق منطق يرى بعين واحدة قضية فلسطين وعينه المفقوءة على موريتانيا..
استمر الحال حتى سنة 2006 وشهدنا حرب تحرير الجنوب وهنا أريد أن أنبه وأذكر القارئ الكريم الى كلمة الجنوب حيث لم يكن من داع لأقول: جنوب لبنان, فقد حفظناها متباهين بالمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله. كنا ننتظر خطاب "نصر اللات "كما يسميه البعض اليوم بكثير من الاعتزاز والفخر، كنا نتكدس أمام التلفزيون ننتظر خطابه لأنه يعيد لنا بعض "الأمجاد الضائعة"، عودنا على التصميم وعلى الإرادة وعلى قوة الحجة. كنا نداوى به ضعف العزيمة ونتداوى به من خيبات الأمل. كان ذلك أيضا سببا في ارتفاع الحموضة عند بعض أصحاب المذاهب الأخرى، لم نكن وقتها نعير اهتماما او حتى نتذكر مذهب "حسن الات" هذا. كان بالنسبة لنا الأمل الأخير في الانتصار ..كان شجاعا وكان صادقا وأكثر من ذلك وفيا بعهوده وانتزع احترام الشارع العربي رغما عن حكوماته..
في حرب 2006 التى دمرت فيها اسرائيل بنية لبنان التحتية وواصلت القصف عليه ليلا ونهارا لم يكن هناك من يمد يد المساعدة غير سوريا وكان حزب الله في المقدمة وصواريخه المزعجة لإسرائيل تنزل منا منزل الترياق وبالطبع تقف الحكومة السورية في ظهير حزب الله والى جانبه. و لم يتوقف دور سوريا على ذلك فقد شكلت ملاذا للإنسان الخليجي الفار من قمع "حراس الفضيلة " والذي أدمت الأعراف والتقاليد الجائرة عقله قبل جسمه كما كانت لنا في موريتانيا مصباحا ينير درب أبنائنا بجامعاتها ومعاهدها وبمكتباتها وبتاريخها المضيء.
لقد كان "حزب اللات" هذا يحقق الانتصار تلو الانتصار ولم نكن نعطى لخلفيته الدينية أى معيار أو حتى نسأل عنها فالقضية يومها لم تكن بيد "فقيه" أو "مفتى". ومع انتشار الفضائيات الدينية وتدفق الأموال بدأت حرب أخرى ستتحول لاحقا إلى فتنة كبرى نشهد فصولها اليوم.
وفى هذا السياق كان لابد أن أعرج على بعض المعلومات التى حقنت كغيري بها وأنا بعد يافعة. إنه باب أو مبدأ "درء المفسدة وجلب المنفعة" عند مالك فأنا أحاججكم بها هنا إذا كان ذلك الباب واجبا الأخذ والاعتداد به فمن باب أولى أن نطبقه مع هؤلاء اللذين يقتلون بفتوى ويذبحون بأخرى ويرهبون الناس تهديدا في الدنيا ووعيدا بنار جهنم في الآخرة وكأن لهم سلطانا على الناس.. ولنتعفف عن سماع أى منهم والى الأبد فسلطان العقل اقوي..
امنحونا فرصة لنعيد ترتيب أفكارنا وفرصة أخرى لنعيد ترتيب أولوياتنا.
امنحونا فرصة لتعليم "جاد وعصري" لنعيد بناء عقولنا..
لنعيد بناء الإنسان فينا دون دجل ودون خرافة....
كيف تريدون منا "عقلا" وقد زرعتهم الوهم فينا صغارا ..
كيف تريدون منا قرارا وأنتم فوضتم قرارنا والحديث باسمنا لفقيه فإن شاء حرم علينا الخروج على حاكم وإن شاء أفتى بوجوب الخروج عليه وقتاله وإن شاء أفنانا بجرة "فتوى"....
لم نعد نملك عقلا نميز به الأشياء, كل هذا الإرث التاريخي لم يشفع لنا وكل هذه العلوم والتكنولوجيا لم تجد معنا ليكون منا حكماء أو عقلاء والسبب واحد: إنه" إله" الأمة: الفقيه أو المفتى لا فرق.
أمامه يستقيل العقل وتضمحل الأفكار وتندحر الحقائق وأمامه لا نملك إلا التسليم والخنوع .. !!!.
امنحونا فقط ربع الفترة الزمنية التي احتجناها لان تكون إسرائيل عدوا أولا وأبديا لنا حتى نقتنع أن حزب الله هو عدونا الأول و الأبدي اليوم. !!!!
امنحونا فرصة أخرى حتى نقتنع أن سوريا ليست ذلك البلد المسلم المتعدد الثقافات والطوائف والذي كان يرفل في الحرير وفى الأمن أمس وأصبح اليوم بفعل فتاويكم يسبح في الدماء..
امنحونا فرصة حتى نقتنع أن سوريا لم تكن يوما بلسما تداوى جراح الجهل فينا وفى إخوتنا من الخليج وامنحونا أخرى حتى نحدد معايير "الفهم لدينا".
"دم المسلم على المسلم حرام "كيف؟ وهل امتثلتم القول؟
اعترفوا أيها المفتون بأنكم تكذبون ..فدمه حلال في بلال حسب فتاويكم..
أليس ما تقوم به كتائب الجهاد والنصرة وحماس و"المجاهدون" ضد سوريا برهانا على أنكم تكذبون ؟...
أليس الشيعي والسني كلهم مسلمون؟
ولماذا آلاف الفتاوى تؤجج نار القتل بين المسلمين ؟
مرة أخرى :"مال المسلم على المسلم حرام" ..كيف وهل امتثلتم القول؟
كذب في كذب بل حلال في بلال حسب فتاويكم ولماذا ؟
لان هبات أغنياء المسلمين على فقرائهم تؤجج بها نار القتل بين المسلمين وتستخدم في الدعاية للأجندات السياسية.
13 قرنا ونيف ونحن نقول شيئا ونفعل شيئا آخر..
13 قرنا ونيف ونحن نغلف عقول أبنائنا بكذب التراث...
13 قرنا ونحن نجل من لا يستحق الإجلال "عالم جليل, عالم ورع, عالم علامة فلتة زمانه "وهو على نفسه يبول كل يوم....
اننى ارفض أن أكون معزة في قطيع...
وانأ اقو ل اليوم : "إن عقل المسلم على المسلم حرام"
حرام أن يملأ بالوهم حرام أن يملأ بالدجل
حرام أن نودعه شيخا بدويا يقوم بغسله وقتل خلاياه الحسية بدلا من شحذه وصقله....
حرام أن ينصب عليه حراس يعملون ضد ه من المعوقين في الفهم والاستدلال
أين عقولنا؟
أين نتيجة تجاربنا؟
إلى اليوم ونحن نبتغى عزة مرة في التراث ومرة في الماضى ومرة كذبا وأخرى تزلفا واليوم هلا ابتغينا العزة في " العقول والعلوم"؟ , "كاد العقل ان يكون وحيا".
إياكم أن تصدقوا يوما أن فلسطين هى القضية الأولى بالنسبة للمسلمين لان فقهاء المسلمين تنادوا على الجهاد في سوريا ولم يفعلوها مع إسرائيل حتى الحمساويون احترقوا في القصير في "جهاد" ضد حزب الله ودولة سوريا ولم يعد لهم وطن لم يشفع لسوريا احتضان رموز المقاومة الفلسطينية ولا العدد الهائل من مخيمات الفسطنيين فيها فجاء "مجاهدو" حماس اللذين يسرقون خبز فقيرات موريتانيا للقتال ضد سوريا عجبا للفتاوى وللتاريخ ..
وإياكم أن تقبلوها كقضية عربية أولى لان العربان تدك حصون دمشق وتترك حصون تل ابيب. !!!.
قم من مرقدك يا نزار إنهم يذبحون دمشق لأنها جميلة ولأنها مختلفة وهم يكرهون الجمال والاختلاف رغم أنف وسنة الحياة....
امنحنونى ربع الوقت الذي استغرقه إقناعى بأن إسرائيل عدوى الأول و الأبدي حتى اقتنع بان حزب الله هو عدوى الأول والأبدي وبأن نصر الله هو نصر اللات. !!!!