لست يائسا ولكني بصراحة محبط !، ..يوجد لدي أمل ملفوف بشكل أنيق في ورق ملون لامع كما يفعل بالهدايا،لكني مع ذلك أخشى أن أفتحه فينفجر في وجهي كطرد مفخخ، يحمل مادة السارين المدمرة للأعصاب!.
لذلك يا من تسألونني وتلحون في السؤال: لماذا لم تعد تكتب كما السابق؟…لماذا اكتفيت بمدونتك لتحصر فيها ما تكتبه؟…لماذا لم تعد تنشط في الفيسبوك مثل الأيام الخوالي؟..لماذا؟.. لماذا؟..،سأحدثكم عن الإحباط، وسأترك الأمل جانبا، و لربما بعد أن أفرغ شحنتي السلبية، أكتشف أن أملي هو فعلا شيئ جميل ، كالهدايا التي يتوقعها ويطلبها الأطفال في عيد الفطر، وعيد الأضحى،..وحتى عيد المولد النبوي برغم الجدل في شرعية الاحتفاء به. ليس من العادي أن يظل أي مواطن في أي بلد في العالم، وبعد أزيد من نصف قرن، مستمرا في طرح أسئلة قلقة وملحة: هل نحن أمة واحدة؟…هل نمتلك قيما جماعية تحركنا لنشكل جغرافيا تسمى الوطن؟ أعتقد أننا لم نمر في لحظات تاريخية نستطيع أن نكتشف فيها أن مهمة التفكير محبطة أكثر من واقعنا الحالي، وكحل ” نعامي” يحاول أن يدفن رأسه في موج بحر ظلماتنا المتحول، يبرز فينا من يقول: حسنا ، دعك من التفكير، فالكلمة كبيرة ولا تنبغي إلا للمتخصصين، وحملة الشهادات السديمية المتعالية، الكونية،…. هنا وكتشبث بمنطقة وسطى صلبة بين اليأس والإحباط، أتعلق وأقاوم الرياح التي تحاول أن تذرو كل مفاهيمي، وأضع لا نافية، كبيرة، صريحة: فعلا أنا مواطن، بسيط، عامي، لا أمتلك كثير ثقافة، ولا أمتلك ” دالا” قبل إسمي، ولا حتى..ألفا !. لكنني أتجرأ على التفكير والتنظير، حول مقاربات كلية تبدو في حالتنا الموريتانية معقدة جدا كالوطن! ، لأنني إنسان ولأن التفكير مهمة يجدر بها أن ترافق مصطلحي البشرية، والإنسانية، ولأننا لو حصرنا التفكير في فئة واحدة، فإننا تلقائيا نلغي إنسانيتنا ونوجه لها طعنة استهزائية قوية، ونسلمها لرياح البحر العبثية!. بلى سأفكر، وأفكر، ولكني لن أزعم للحظة أني سآتي بما لم تستطعه الأوائل، ولا حتى بما تستطيعه عقول أصحاب الياقات المرتفعة!…،إنني سأمارس التفكير حول الوطن، لأنني أرغب في أن أفتح مغلف الأمل في نهاية الأمر بفرح طفل تلقى هدية مفاجئة ، مميزة، وممتعة!. هل انشئت موريتانيا كدولة، من قبل من لديه رؤية استراتيجية، تتمثل أمة واحدة في قالب إسمه الوطن؟ أم أنها كانت نتاجا لدوافع الجغرافيا السياسية، التي التقت فيها رؤية فرنسا الراغبة في نوفير منطقة ربط صحراوية مستقرة، بين مجموعة مصالحها في السنغال والمغرب ومالي، مع طموح مجموعة قليلة من الأطر الموريتانيين، الراغبين في ممارسة السلطة على هذه الصحراء العشوائية الشاسعة، التي يحدها غربا، بحر هائل يسمى بحر الظلمات؟؟ أحمل أسئلتي تلك التي لم تسعفني فيها قراءة معمقة لمذكرات من يسمى “أبو الأمة” الرئيس المرحوم المختار ولد داداه، وأقذفها في إطار سعي استقصائي في وسط مجموعة من ” الكادحين” الذين عاصروا قيام الدولة الموريتانية، والتحولات المفصلية فيها،..فأحصل على القصة التالية: بعد الانقلاب العسكري سنة 1978 على حكم الرئيس الراحل المختار ولد داده، كان ثمة برنامج إذاعي بعنوان ( جرائم وأغلاط النظام البائد)، وكان العسكر الذين تولوا السلطة يريدون من خلاله، تبرير شرعية انقلابهم، بسحب أي شرعية أو ذكرى طيبة لدى الرأي العام الموريتاني، وفي خضم تلك المعركة الإعلامية، تلقت مجموعة من أبرز مهندسي الحكم من الضباط، دعوة للعشاء في بلدة على شارع الأمل هي “واد الناقة”…. ( يتواصل في الجزء الثاني من السلسلة بحول الله).