ن المنظمة الموريتانية للتنمية السياسية كمراقب للوضعية السياسية الموريتانية طيلة السنة المنصرمة تلاحظ:
1. الأزمة السياسية:
اتجهت الأوضاع السياسية في البلاد نحو التأزم المضطرد بين أطراف القوى السياسية المختلفة في الموالاة والمعارضة، حيث تم شبه جفاء تام بين بعض أطراف المعارضة وقوى الأغلبية خصوصا بعد مقاطعة الأولى للحوار الذي دعت إليه الموالاة في الربع الأخير من السنة.
ويرجع هذا الخلاف بالأساس إلى الاختلاف حول الأساس الذي ينبغي بناء الحوار عليه، ففي حين تتمسك قوى من المعارضة "تكتل القوى الديمقراطية، اتحاد قوى التقدم، حزب الإصلاح و التنمية، اللقاء الديمقراطي.. و أحزاب أخرى" بمرجعية اتفاق داكار، ترفض قوى الأغلبية و أحزاب معارضة كالتحالف الشعبي التقدمي و حزب الوئام و غيرها هذه المرجعية، و تعتبر أساس الحوار هو الحاجات المستجدة في المشهد السياسي.
و هكذا فإن حالة المواجهة بين الطرفين وجدت صدى لها في الساحة البرلمانية، و في المهرجانات الشعبية لكلا الفريقين، و من المنتظر أن تشتد هذه المواجهة مع اقتراب المواعيد الانتخابية.
ينضاف إلى هذا شعور المواطن المتزايد بصعوبة الأوضاع المعيشية في ظل عجز الحكومة، و عدم تقديم المعارضة لحلول ملموسة.
2. ظهور قوى حزبية و حقوقية جديدة:
من أهم ما ميز السنة الماضية هو توسع حزب جديد على الساحة هو حزب الوئام، و مع أنه لم يقدم طرحا جديدا إلا أنه ساهم في إعادة تشكيل الساحة السياسية و أسهم بترحاله من المعارضة إلى الموالاة في تأزيم الوضع السياسي، خصوصا و انه يضم خليطا من "رموز الفساد" المتنفذين ماليا و قبليا.
من ناحية أخرى ظهرت على السطح ظاهرة "أحزاب الشباب"، و مع أنها فكرة جيدة من حيث المبدأ إلا أن هذه الأحزاب بقيت محشورة في الحاجة إلى احتواء التحركات الشبابية الغاضبة المتأثرة بالتحركات الثورية العربية، حيث لم تقدم هذه الكيانات الجديدة ما كان منتظرا منها، و بقيت تدور في فلك خاص عاجزة عن لعب أي دور أساسي في المشهد السياسي.
كما كان ظهور شباب 25 فبراير الذي نزل إلى الميدان للاحتجاج على الأوضاع عاملا مهما في تطوير ثقافة الاحتجاج السلمي، و إن تعرض هذا الشباب في النهاية إلى انتكاسة لم يتجاوزها بعد.
3. الترحال السياسي:
ظلت هذه الظاهرة حاضرة على مدار السنة فقد كانت 2011 من أكثر السنوات حظا في هذه الظاهرة، ذلك ان عددا من القوى السياسية و الأحزاب و الأفراد تبدلت مواقفها و غيرت وضعيتها من موالاة إلى معارضة و العكس.
4. شرعية المؤسسات الانتخابية:
لقد طرح هذا الموضوع بقوة من طرف المعارضة كمظهر من مظاهر التأزيم، و لم يكن تعاطي الحكومة معه أفضل حالا من المعارضة حيث لجأت إلى استصدار تفسيرات و تبريرات لبقاء هذه الوضعية، الأمر الذي يحمل بعدا خطيرا و هو عدم احترام القانون و تطويعه للمصالح الآنية.
5. التجاوزات في مجال الحريات:
من بين حوالي 54 مظاهرة السنة الماضية أحصتها المنظمة تم قمع 20 مظاهرة منها من طرف السلطات العمومية.
في مجال الحبس التحكمي من دون محاكمة لا تزال هذه الظاهرة الغريبة موجودة بوفرة في البلاد حيث تم النطق بالحكم في قضية السيد أحمد ولد خطري الذي قضى أكثرة من مدة محكوميته قبل محاكمته.
و لا يزال السيد محمد الامين ولد الداده ، و السيد مولاي العربي ولد مولاي امحمد يخضعان للسجن من دون محاكمة، بالإضافة إلى بعض السلفيين الذين أمضوا سنوات من دون محاكمة.
6. المجتمع المدني: لا يزال أداء المجتمع المدني محدودا و محكوما بروح الارتزاق و المحسوبية، ولم تظهر جهود كبيرة من أجل تقويته و تطويره مما جعل منظمات المجتمع المدني على العموم عاجزة عن القيام بأدوارها.
7. الحكم الرشيد:
يبدو ان السنة الماضية عززت جهودا حكومية سابقة في ترشيد المال العمومي قضت نوعا ما على الانتهاك السافر للمال العمومي، لكن تلك الإجراءات لا تزال عاجزة عن ملاحقة المسئولين الكبار، و لا يزال المشكل الأساسي مطروحا: فصل السياسي عن الإداري.
في مجال الإدارة المحلية سطر إنجاز مهم بتوسيع دائرة المهام الإدارية و أشرك عدد من خريجي الإدارة الحديثة في إسناد المهام إليهم.
8. التعديلات الدستورية:
رغم ان هذه التعديلات تلبي حاجات سياسية مهمة، و رغم أنها جاءت على ضوء حوار وطني، إلا أن الطريقة التي تمت بها تقدح في قدسية الدستور، حيث أن الدستور يجب أن لا يكون تعديله بهذه البساطة " سبعون نائبا"..
هذه أهم الملامح السياسية للسنة الماضية و نأمل في المنظمة الموريتانية للتنمية السياسية أن يتجاوز الفاعلون السياسيون الأخطاء و نستخلص الدروس و العبر، و نؤسس نظاما سياسيا قويا يخدم مصلحة المواطن.
بارك الله الوطن.
المكتب التنفيذي
نواكشوط: 18 . 01 . 2012