ما تزال قضية المرأة على كثرة ما قيل فيها وعنها مثارا للنقاش وميدانا خصبا للأفكار والأفكار المضادة .
وقد كانت حقوقها ومنذ أمد بعيد تشكل مدخلا يحاول النفاذ منه أولئك المهووسون بإلقاء الشبهات وحوك المؤامرات والأفاكون الذين لا يدخرون جهدا في تشويه صورة الدين وإلصاق التهم به وزعزعة الثقة فيه بين أبنائه ومعتنقيه.
والأدهى والأمر من ذلك أن نجد من داخل المسلمين من يصغي إلى هذه الافتراءات ويشعر بالحرج الشديد من بعض الأحكام والخصوصيات التي تتعلق بالمرأة في الشريعة الإسلامية إلى درجة انه يستسهل في سبيل الخروج من هذا المأزق إنكار القطعيات وقلب النصوص الواضحات والقفز فوق المسلمات .
من هؤلاء للأسف فئات عريضة من نخبة المجتمع ومتعلميه ومثقفيه ، وهم في ذلك لا يستحيون من أن يسموا أنفسهم علماء مصلحين وحقوقيين مدافعين عن حقوق المرأة والإنسانية ، وأن يسموا ما يقومون به تحضرا ومدنية وتماشيا مع روح الشريعة . نسمع ونقرأ كثيرا من ذلك في إعلامنا المحلي وغيره في هذه الآونة الأخيرة.
أبرز ما يميز كتابة الذين يكتبون في هذا الموضوع والمواضيع المشابهة له في نظري هو ان مواقفنا ـ مسلمي اليوم ـ أصبحت مبنية على مواقف الاخرين من هذه القضايا بمعنى أننا اصبحنا منفعلين بعد ان كنا فاعلين ، يخيل إلينا اننا في موقف المتهم حتى نثبت للآخرين براءتنا ، وهو لا شك موقف ينم عن ضعف في الثقة وانهزامية في التفكير والتنظير.
في البداية يجدر بنا أن نذكر بما كانت عليه حال المراة في الجاهلية البيئة التي ظهر فيها الإسلام ، حيث كانت العرب ـ كغيرها من الشعوب ـ تحتقر المرأة وتدوس على كرامتها وتستكثر عليها أبسط الحقوق حتى حقها في أن تتنفس وتعيش ، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، يُنظر إليها نظرة شؤم وبؤس وازدراء.
جاء الإسلام لينقذها ويرفع من شأنها ويعلي مكانتها ويحميها من ظلم المجتمع وعنف العشير ويضعها حيث ينبغي ان تكون .
فعاملها بوصفها أحد شقي بنية المجتمع وأحد اركانه التي لا غنى عنها لإقامته ، فهي الام التي اوصى الشارع ببرها وإكرامها أكثر من الأب ، وهي الزوجة القيمة على البيت والقائمة على شؤون الأسرة ورعايتها ، وهي الأخت التي يجب برها وتوقيرها واحترامها ، وكانت تضطلع ـ إلى جانب الرجل ـ بدورها في حمل أعباء الدعوة الإسلامية والمشاركة في الغزو والجهاد وغيرها من أمور الشأن العام موفَِرة الإسناد المعنوي والدعم القوي لحاملي الرسالة ومستشارة ناصحة ومربية معلمة . والنصوص الشرعية لم تفرق في أصل الكرامة والإنسانية بين الرجل والمرأة كقوله تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا الإسراء الآية 70. وقوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً .النحل:97. وقلما تأتي أوصاف المدح أو الوعد بالثواب الدنيوي أو الأخروي الا جاء وصف المؤنث إلى جانب الوصف المذكر كما في قوله تعالى : إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ.... إلى آخر الآية 35 من سورة الأحزاب. وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم :(النساء شقائق الرجال)أخرجه أحمد وأبوداود. لكن الذين في قلوبهم مرض والمغرضون من أذنابهم والسائرين في فلكهم يظلون يطرحون بإلحاح ويصرون على أن الإسلام ظلم المرأة ونقص من حقها وجعلها ناقصة الإنسانية تساوي نصف إنسان . وسنركز هنا على نقطتين بما يزيل عنهما بعض اللبس ويكشف غاشية الوهم هما :
1 مسالة قوامة الرجل على المراة .
2 ومسألة المساواة في الميراث والشهادة .
يجب الانتباه أولا إلى ان لفظ "المساواة" الذي يروج بكثرة في هذه الدعايات هو لفظ يحمل في طياته الكثير من اللبس وعدم الإنصاف ومجانبة الحقيقة والواقع معا ، ولذلك لم يرد لهذا اللفظ ذكر في نصوص الوحي.
ذلك أن التسوية بين أي شيئين لا تتحقق المساواة بينهما من كل وجه يؤدي إلى الظلم والغبن ، إذ لو حصلت المساواة بينهما في جميع الأحكام مع الاختلاف في الخلقة والكفاءة ـ كما سنذكر ـ لكان هذا انعكاسًا في الفطرة، ولكان هذا هو عين الظلم للفاضل والمفضول، بل ظلم لحياة المجتمع الإنساني؛ لما يلحقه من حرمان ثمرة قدرات الفاضل، والإثقال على المفضول فوق قدرته.
وإنما يذكر القرآن في هذا المضمار لفظ "العدل" الذي هو أدق تعبير عن توزيع الحقوق والواجبات والأوصاف والمسؤوليات على أساس الملكات والاستعداد الفطري والتكامل بين اعضاء الأسرة وأركان المجتمع.
قوامة الرجل على المراة :
لقد قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ...) النساء:34.
يزعم المتقولون على الإسلام إن الإسلام بهذا المبدأ قد فرض وصاية الرجل على المرأة ، فسلبها بذلك حريتها وأهليتها ، وثقتها بنفسها.
والذي يرى الأشياء بموضوعية وتجرد وفهم للنظام الكوني الذي أقام الحكيم الخبير هذا الكون على أساسه يدرك الحكمة البالغة لهذه الأوامر التكوينية والتكليفية البديعة . إن الله تعالى خلق الرجل والمرأة شطرين لهذا النوع الإنساني كما قال في كتابه العزيز: وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ [النجم:25] ، يشتركان في عمارة الكون، كلّ فيما يخصه، ويتعاونان على الاستخلاف فيه بالعبودية لله تعالى.
ومن البديهي في منطق الأشياء كلها انه لا توجد بنية بدون رأس ، لا توجد مؤسسة أو منشأة بدون مسؤولية وشخصية اعتبارية ترجع مهما تدرجت إلى قرار ورأي موحد يوجه سياستها ويقودها إلى تحقيق أهدافها ، وإلا اضطرب سيرها واختل نظامها كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا.
وما من عاقل يشك في أن الرجل أقوم من المراة في الجسم ، وأقدر منها على الكسب والدفاع عن حريمه وعرضه ، وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، وحل معضلات الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل ، والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً ، والأمومة والبيت في حاجة إلى نوع آخر من الميزات الفطرية ، في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان الدافئ ، والإحساس المرهف ، لتضفي على البيت روح الحنان والحب ، وتغمر أولادها بالعطف والشفقة. و قد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة ، و أن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة ، و تقول الأبحاث أن المقدرة العقلية و الذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ، و وزن المخ و عدد التلافيف الموجودة فيه . )عمل المراة في الميزان , د. على البار ـ ط دار المعرفة(. القوامة إذن ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل و المرأة و ما ينتج عنهما من نسل و ما تستتبعه من تبعات . فليست قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد ، ولكنها قوامة التبعات ، والالتزامات والمسؤوليات ، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة ، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ، وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية ، تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة ، بينما ركب في المرأة ميزات فطرية أخرى ، تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله ، وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية.
ثم إن الإسلام فرض على الرجل ـ وليس المرأة ـ القيام في إنشاء الأسرة وتكوينها وتوفير المسكن والمهر للزوجة ثم كلفه بعد ذلك الإنفاق عليها وكسوتها بالمعروف ، و غيرذلك من الالتزامات ، و الواجبات , و ليس من العدالة و الإنصاف في شيء ـ في أي شريعة أو نظام من نظم الكون ـ أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرة أو إدارة مؤسسة دون أن يكون له عليها حق القوامة والإشراف والتوجيه و التربية .
والآية تشير إلى سببين رئيسيين لاختيار الإسلام الرجل لهذه القوامة أحدهما فطري والآخر كسبي ، قال الشيخ رشيد رضا في تفسيره) ج 5 ص 56(: وذلك أن الله تعالى فضل الرجال على النساء في أصل الخلقة ، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة ، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد ، وثم سبب آخر كسبي يدعم السبب الفطري ، وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم .
وقد انتبه الفقهاء إلى هذا التعليل فربطوا القوامة على الزوجة بالقدرة على النفقة ، يقول القرطبي : إن الرجل متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها ، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد ؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح . وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ؛ وهو مذهب مالك والشافعي . (تفسير القرطبي ج 5 ص 149).
والمشاهد أنه عندما تم التساوي بين الرجل والمرأة في بعض المجتمعات في ميدان الكسب والكدح في سبيل العيش انهارت أخلاق الرجل والمرأة .. وكان نتاج ذلك خروج أجيال من الطرفين في غاية الانحلال والانحطاط البشري.. لأنه عندما تم التساوي في أمور التخصص، ضاعت حقوق الأسرة الرجل والمرأة والأولاد .
فضل الرجل إذن ليس على إطلاقه وليس بمقتض التفوق دائما ومنحه القوامة على المرأة ليس قدحاً فيها وليس تقليلا من أهميتها ودورها ، فإن أعظم العباقرة يتصاغر أمام أبسط الأمهات ، ولا يستطيع أعظم قادة الدنيا من الرجال أن يفعل ما تفعله أبسط النساء وأجهلهن ، إنه لا يستطيع أن ينجب طفلاً ويحمله في بطنه تسعة أشهر كما أنه لا يمكنه إرضاعه وحضانته وتربيته مهما كان له من العبقرية والنبوغ. التفاضل في الشهادة:
النص في ذلك قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة الآية 282 . وقد جاء التعليل في الآية بأنه خشية ضلال المرأة والضلال هنا فسره المفسرون بالنسيان ، وهو تعليل ظاهر للعيان لا يمكن تجاهله.
وليس عدم قبول شهادة المرأة في بعض الموضوعات وعلى بعض الامور ـ كما هنا ـ انتقاصا من كرامتها ولا خدشا في إنسانيتها بل ليس عائدا إلى وصف الذكورة أو الأنوثة في الشاهد،ولكنه عائد في مجموعه إلى أمرين اثنين: أولهما:عدالة الشاهد وضبطه. ثانيهما: أن تكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها والشهادة فيها.
إذن فشهادة من خدشت عدالته، أو لم يثبت كامل وعيه وضبطه ، لاتقبل ، رجلاً كان الشاهد أو امرأة.. كذلك لابدّ من أن يتحقق القدر الذي لابد منه من الانسجام بين شخص الشاهد والواقعة التي يشهد فيها، وإلاّ ردّت الشهادة رجلاً كان الشاهد أو امرأة، وإن تفاوتت العلاقة بين المسألة التي تحتاج إلى شهادة وأشخاص المتقدمين للشهادة، كانت الأولوية لشهادة من هو أكثر صلة بهذه المسألة وتعاملا معها.
ولهذا النسيان المذكور أسباب كثيرة "فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معًا على تذكر ملابسات الموضوع كلّه.
وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية تستدعي مقابلاً نفسيًا في المرأة حتمًا، يستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها حين تكون امرأة سوية، بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثير ولا إيحاء، ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال، فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة". )في ظلال القرآن 1/336.(
على أن هذا التهويل برد شهادة المرأة واعتبارها نصف إنسان مجانفة للحقيقة وهراء لا ينطلي مثله على أبسط البسطاء ، فمن المعلوم أن التمييز في الشهادة بين الرجل والمرأة ليس لصالح الرجل دائما بل هو يختلف من حالة إلى أخرى ، ويأتي على ثلاث مستويات :
1 ـــ أمور تختص بالرجال في رأي أغلب الفقهاء وهي الشهادة في حقوق الأبدان وفي الجنايات كالقصاص والحدود ذلك لأن الكثير من هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها، وأجاز بعضهم شهادتهن مع الرجال إكمالاً للنصاب وهو رأي عمر بن عبد العزيز ، وقبل الإمام أحمد شهادة النساء منفردات فيما لو كان الحادث وقع في مجاميع النساء، مثل: الحمامات والعرسات ونحو ذلك.
2 - أمور يشتركان في الشهادة عليها كالأمور المتعلقة بالأموال وكالرضاع واللعان فبعض الفقهاء يكتفي بالواحدة منهن وبعضهم يشترط التعدد ، أما في مجال الرواية فإن الرجل والمراة يسيران على قدم المساواة .
3 - أمور تختص الشهادة فيها بالنساء كالولادة وإحقاق النسب للمولود والاستهلال وعيوب الزوجة وانقضاء العدة .
فأين الغبن والظلم والتحيز لصالح الرجل؟ التفاوت في الميراث: قضية التفاوت بين المرأة والرجل في الميراث التي أثير حولها الكثير من هذه الشبهات هي الأخرى جزء من نظام العدالة الإسلامية القائم على توزيع المال بين الأشخاص بما يتواءم مع طبيعة مسؤولياتهم. وقبل الرد على هذه الشبهة ينبغي التذكير بأن المرأة ذاتها كانت في الجاهلية من الموروث الذي يورث و لا يرث فرفع الإسلام من مكانتها بأن جعلها من الوارثين و أعطاها من الميراث نصيبا مفروضا.
والمتتبع لمعايير الشريعة في مجال الإرث يدرك أنها لم يكن من بينها اعتبار للذكورة والأنوثة لذاتهما وإنما انحصرت في ثلاثة أمور :
1- درجة القرابة بين الوارث وبين الموروث فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب من الميراث وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب من الميراث .
2- موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها عادة ما يكون نصيبها أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة ، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه، بل وترث أكثر من الأب حتى لو كان الأب هو مصدر هذه الثروة.
3- حجم العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى أو انتقاصا من ميراثها.)د. محمد عمارة ، تقديم كتاب ميراث المرأة وقضية المساواة...للدكتور صلاح الدين سلطان ص 4 ط دار نهضة مصر(.
إن الشرع الحكيم لم يعط هذه الحقوق لأصحابها بهذا التوزيع اعتباطا ودون حكم جليلة بديعة ... لم يعط الرجل مثل حظ الأنثيين إلا بعد أن كلفه بتحمل مسؤولية إقامة الأسرة ودفع المهر وتوابعه للزوجة وبعد إلزامه بالنفقة عليها وعلى عيالها وإسكانهم وكسوتهم .. لم تكلف الشريعة المرأة عناء البحث عن الزوج ولم ترهقها بدفع المهر بل ولا بنفقتها ولا نفقة أبنائها .
جعلت ذلك كله على الرجل ، وجعلته هو العاقل عن نفسه وعن نسائه وهو المدافع عن حريمهن وعرضهن . أليس من هذه حاله حريا بالإيثار ؟
بلى " إن القائم على غيره المنفق مالَه عليه مترقب للنقص دائما ، والمَقُوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائما ، والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبر للنقيصة المترقبة ظاهرة جدا ". (أضواء البيان ج 1 ص 5 ).
وبالاستقراء لأحوال المواريث نجد أن هناك 4 حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل ، في حين نجد أضعاف ذلك من الحالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما، وهناك 10 حالات ترث فيها المرآة أكثر من الرجل ، بالإضافة إلى أن هناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال . )ميراث المرأة وقضية المساواة...للدكتور صلاح الدين سلطان ص 10(.
ومن بديع هذه الملاحظات أن الأخ الذي يرث مثلي نصيب أخته – وهو الشقيق والأخ للأب - هو الذي يعقل عنها النفس والجراح ، أما إذا اجتمعت مع الأخ الذي لا يدفع عنها الدية ولا الأرش – وهو الأخ لأم - فإنها تشترك معه في الإرث سواء بسواء مما يؤكد هذه القاعدة ويزيدها وضوحا. وأخيرا يحسن التذكير بقول الله تعالى : وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا.
صدق الله العظيم.