دخلت مدينة كيفه وأجزاء أخرى من ولاية لعصابه في حملة انتخابية مسعورة ترفع شعار مطالبة رئيس الجمهورية بالترشح لمأمورية جديدة وقد تصاعدت سخونة هذه الحملة خلال هذا الأسبوع وشارك فيها المقيمون في انواكشوط بشكل لافت لا يماثله إلا ما يحدث خلال أي حملة انتخابية مشروعة.
هذه المنازلة الدعائية المجانية جذرت بصورة عميقة التشرذم والفرقة بين مكونات المؤيدين لرئيس الجمهورية وفاقمت حرارة صيف المدينة فانقطعت الكهرباء وجفت الحنفيات من شدة الضغط واستعصت الانترنت والهاتف وامتلأت الشوارع صخبا وضوضاء بعد أن كانت المدينة بحاجة إلى من يحلحل هذه الأزمات ويقود الجماهير لما يوحدها وينير طريقها للخلاص من بعض متاعبها ،ودفع السكان إلى تجاوز الحزازات والصراعات والتنادي إلى مصالح مشتركة ترسخ الوحدة وتقوى اللحمة الاجتماعية وتنشر المحبة وتدفع باتجاه وعي مدني وتعاط سياسي أخلاقي ومحترم. كثير من الوقت ضاع وطائل من المال هدر فيما لا ينفع الناس ثم أوقظت فتن نائمة وضغائن منسية.
ألم يكن من الأفضل للجميع أن توجه هذه الإمكانات إلى ورشات وحوارات تشخص واقع المدينة والتماس الحلول لها ؟ أليس من الأنسب صرف هذه الأموال على التعاونيات والأندية ومساعدة الفقراء وهم على عتبة الشهر الكريم؟
أليست صيانة هذه الوسائل حتى تحين الحملة وتتضح ملامح اللعبة أولى من تذويبها بهذه الأساليب الباذخة الفجة التي لا يحركها غير الرغبة في إيلام الأخ المنافس؟
إنما نشاهده اليوم في هذه المهرجانات العبثية يربك الرأي العام ويجلب الريبة فلا يجد المواطن تفسيرا مقنعها لما يجري حوله من ضجيج لذلك بات يشكك في نية رئيس الجمهورية للترشح ونحن أمام هذا الإلحاح المزعج.
ألم يطالب حزب الإنصاف بشكل رسمي وقاطع هذا الرئيس بالترشح فما الحاجة اليوم إلى هذه الكرنفالات لترديد ذلك الطلب ؟
ألا يسيئ هذا التنابز والتراشق والصراع العقيم في مدينة كيفه بين مناضلي الحزب الواحد على الرئيس وقواعد التنافس الديمقراطي الشفاف ويترجم عدم النضج وغياب العقلانية والرؤية السديدة والميل للأساليب الغوغائية والديماغوجية. إن هذا التدافع في غير محله والخارج عن نطاقه الزمني وعن الضرورة ليشكك في خلاص هؤلاء لرئيس الجمهورية والتزامهم الحزبي.
المراقبون يستغربون عجلة مدينة كيفه للدخول في الحملة الانتخابية قبل كافة المدن الموريتانية وحول هذه القضية تطرح أسئلة كثيرة :
هل لأن رئيس الجمهورية هو ابن الولاية؟ وفي هذه الحالة يقتضي الاحتراف السياسي وحسن المناورة والتدبير أن تأتي هذه المبادرات من ولايات ومناطق أخرى.
أم ان مكاسب مدينة كيفه من هذا النظام تفوق ما حصل في مدن أخرى وعليه يجب رد الجميل بهذه السرعة؟ وعند هذه النقطة فإن الذين يتحركون اليوم لا يرفعون شعارات بذلك ولا يقع هذا الأمر في صدارة اهتمامهم؟
أم أن ما يجري اليوم هو من تجليات الطبيعة البدوية والسلوك المتخلف وسهولة المواطنين الأبرياء على من يقودنهم من وزراء ووجهاء ومنتخبين؟
يحز في قلب أي متابع عاقل ومسؤول ما تعشيه مدينة كيفه اليوم من حملات مسعورة لا تقوم على مبدإ ولا تحكمها قضية ولا يوجهها مشروع اجتماعي ولا برنامج. هي فقط صراعات أهلية بين حساسيات واقطاب عشائرية تنصب كافة أهدافها في سحق المنافس المحلي رغم أنه أخ ورفيق وجار وداعم لرئيس الجمهورية !
عقود من السير على هذا النهج السخيف لا تجعل أبناءنا المثقفين الأطر يَصْحُونَ مرة لنقد الذات ومراجعة الفكر والبحث عن طرق جديدة للتعاطي السياسي المتمدن والحميد، وإراحة أهالينا في هذه المنطقة المثقلة أصلا بمختلف المتاعب من معارك هامشية مدمرة لم تجلب لنا غير مزيد من الفقر والتخلف وإفساد ذات البين.
آن أن نواجه سيلا من التحديات والمخاطر تهدد شعبنا وأهلنا ولدينا من الأزمات في هذه المدينة وحدها من غذاء وشراب ودواء وتعايش ما يشغلنا عن الخصومات والتجاذب وتضييع مزيد من الوقت في عرض العضلات ودق الإسفين بين الأبرياء.
كم هو جميل أن نجتمع يوما بمثل هذا الحماس وهذا الحجم وهذا السخاء لبناء سد زراعي أو إطفاء حريق في مراعينا أو تنظيف واحد من شوارعنا أو مناصرة قضية حيوية تهم مشتركاتنا ومستقبل أجيالنا.