ينظر الموريتانيون بكثير من الامتعاض إلى جلسات البرلمان الأحادية التي غيبت عنها المعارضة وبتغييبها أسكت الصوت الآخر الذي كان الناس يرصودنه عبر التلفاز... لقد نجحت فلول الأنظمة الأحادية المتكتلة فيما يطلق عليه تجاوزا الأغلبية في أن تحقق حلمها بإفراغ الجمعية الوطنية من فحواها الشعبي وتحولها بصورة عبثية إلى غرفة تسجيل خامدة، باهتة، محابية، منافقة يقدم شاغلو كراسيها قرابين الولاء الأعمى لولي نعمتهم ولحكومته وحاشيته... لقد كنت من القلائل -وأقول القلائل لأن الناس أقلعوا عن المتابعة- الذين تابعوا نقاش التعديلات الدستورية وأدهشني محاولة استئساد أرانب برلمانية رتب لها لتكون هنالك لمجرد التشويش والهرطقة والعذيطة السياسية والأخلاقية، كما أدهشني على وجه الخصوص محاولة النائب كان حاميدو بابا الدفاع عن تعديلات وهمية لا يتضمنها النص المعدل... لقد كان يمارس أحلام يقظة مقيتة في يوم انحطاط وسفالة، كان له بالنسبة له ما قبله وقد لا يكون له ما بعده. لقد ركز نواب الموالاة على مدح مسعود وقدح المعارضة وأفردوا مقدمة طللية لتمجيد محمد ولد عبد العزيز، وحين وصلوا إلى الفقرة الخاصة بتجريم الانقلابات تلعثموا وتداركوا بأن ليس لذلك أي أثر رجعي، بل إنه موجه لانقلابيي جزر الواقواق وغينيا الجديدة وليس موجها لانقلابيي بلاد المنكب البرزخي.. بلاد السيبة، فهؤلاء هم أولياء النعمة وهم من أنزل هؤلاء منازلهم وأغرقهم في أبهة وصفات زائفة زائلة لا يستحقونها. لقد أزبد بعض النواب وأرعد وتصايحوا بانهم كانوا الأغلبية ولكنهم تناسوا أن الرأي العام متغير ولو قيست اتجاهاته ونظرته لهم لأدركوا أنهم ثلة متناقصة منبوذة ومنقرضة، لقد استغلهم النظام بشكل بشع للدفاع عن ممارسات فاسدة ولفظهم وستكون نهايتهم مع تنظيم الانتخابات، فكل الدلائل والمؤشرات تشير إلى نهاية مسارهم النيابي وإلى عدم تجديد ترشيحهم. وسيدركون بعد فوات الأوان أن أسوأ ما في الحياة هو شيخوخة وتقاعد المومسات ونواب وسياسيو الطابور الخامس، فهذه الفئات تنحدر من أضواء المظهرية الخادعة إلى هوة النسيان والظلام والندم ساعة لا ينفع الندم. فهنيئا لهم بالأحادية وبإسكات الصوت الآخر وهنيئا لنا بديمقراطية بدون برلمان، وبدون حريات، وبدون فصل السلطات، وبدون تناوب وبدون تداول، وهنيئا لهم بعسكرة السياسة وبتمدين العسكر... وهنيئا لأصحاب السوابق الانقلابية على إفلاتهم المؤقت من العقاب وعلى تنفيذ انقلاباتهم البرلمانية هذه المرة التي أعادت البلاد إلى ما قبل المربع الأول، لكن المثل الحساني يقول: "بأن أم اللص لن تظل مبتهجة إلى ما لا نهاية" فلحظة المساءلة
الرأي المستنير