من الملاحظ أن هناك ضعفا كبيرا في أداء البرلمان الموريتاني، ناتج عن تدني تأثير النواب داخل البرلمان وخارجه، ويتساوى في ذلك نواب الأغلبية والمعارضة، ولذلك الضعف أسبابه العديدة سنتوقف مع بعضها بشكل سريع من خلال فقرتين في هذا المقال، واحدة منهما خاصة بنواب المعارضة، والثانية خاصة بنواب الأغلبية.
أولا / نواب المعارضة
يقع خلط كبير لدى الكثير من نواب المعارضة بين الهدف المراد تحقيقه من داخل البرلمان، والوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك الهدف.
فمن المعلوم أن من بين مهام النائب، معارضا كان أو مواليا، مراقبة العمل الحكومي، وهذه الرقابة هي من أجل منع وقوع تقصير في الأداء الحكومي، وتصحيح ذلك التقصير إن هو وقع، ودائما ما يقع
لتحقيق هذا الهدف فإن النائب المعارض يركز على إظهار الخلل في الأداء الحكومي، ويفترض أن غرضه من ذلك تصحيح ذلك الخلل. بعض نواب المعارضة لم يعد يهمه أن يُصحح الخلل، بقدر ما يهمه أن ينتقد أداء الحكومة، وأن يظهر أمام الناخب بأنه لم يقصر في نقدها، بل وفي جلدها، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى استخدام كلام هابط ومنحط، كما حدث مؤخرا خلال الدورة البرلمانية الأخيرة.
أصبح النقد لدى بعض نواب المعارضة هدفا في حد ذاته وليس وسيلة من أجل تحقيق هدف. طبعا قد يرتاح المواطن لنقد الحكومة وجلدها من طرف نواب المعارضة، ولكن في النهاية فإن الأخطاء لم تُصحح، وأداء الحكومة لم يتحسن، وبالتالي فإن المواطن لم يستفد شيئا من ذلك النقد القاسي.
إن دور نواب المعارضة يجب أن لا يقتصر على نقد الحكومة وجلدها، وإن اقتصر دورهم على ذلك، فإن مدوني المعارضة يمكن أن يؤدوا ذلك الدور على أحسن وجه، بل وأحسن مما يقوم به نواب المعارضة، ولذا فكل القضايا التي تمت إثارتها خلال السنوات الأخيرة كان الفضل في إثارتها يرجع لمدوني المعارضة لا إلى نوابها.
ثانيا/ نواب الأغلبية
وعلى العكس من ذلك فإن النائب الموالي يتحول في أغلب الأحيان إلى مدافع عن تقصير الحكومة، ومنتقد لنواب المعارضة إن هم انتقدوا أداءها.. كثير من نواب الأغلبية نسي أن الشعب هو من انتخبه لرقابة العمل الحكومي، وأصبح يتصرف وكأن الحكومة هي من انتخبته للتغطية على أخطائها وتقصيرها حتى لا يعلم الشعب بتقصيرها، وكأنه قادر على إخفاء ذلك التقصير عن المواطن.
ليس بالإمكان إخفاء التقصير في العمل الحكومي عن المواطن، وحتى إن تجاهله نواب الأغلبية فسيتحدث عنه نواب المعارضة وبحدة، وسيصل ذلك الحديث إلى كل مواطن في بيته عبر قناة البرلمانية، فيكسب النائب المعارض مزيدا من المصداقية، ويفقد النائب في الأغلبية مصداقيته لدى المواطن، الشيء الذي يجعله غير قادر على تسويق المنجز، بل إن حديث النائب الموالي عن الإنجازات قد يسيئ إليها، نظرا لتراجع مصداقيته لدى المواطن بسبب عدم تحدثه خلال مأموريته ـ ولو لمرة واحدة ـ عن النواقص في الأداء الحكومي، وهي بلا شك نواقص موجودة.
ثم إن النائب الموالي عندما يلتقي بالوزراء أو كبار الموظفين في مكاتبهم، فإنه غالبا ما يتجاهل هموم ناخبيه، وهموم المواطن بشكل عام، ويستغل تلك اللقاءات في تحقيق المزيد من المكاسب الخاصة به، وذلك من خلال توظيف الأقارب أو الحصول على صفقات عمومية، ولذا فقد كثر الحديث عن حصول نواب في الأغلبية على صفقات عمومية بطرق غير شفافة.
في اعتقادي الشخصي أنه لو كان كلام النواب نقدا أو تثمينا يكفي لحل مشاكل البلاد لحلت مشاكل موريتانيا منذ زمن طويل، فمن المعروف أنه منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لم تقصر المعارضة في نقد الأنظمة المتعاقبة وجلدها، ولم تقصر الأغلبية كذلك في تثمين ما أنجز وما لم ينجز، وفي التطبيل لتلك الأنظمة المتعاقبة.
إننا في هذه البلاد نمتلك فائضا من الكلام، ولم نعد بحاجة إلى المزيد من الكلام، تثمينا كان أو نقدا. إننا في هذه البلاد بحاجة إلى نخبة سياسية قادرة على إنتاج الأفكار، وتقديم المقترحات، وإطلاق المبادرات الإصلاحية ذات النفع العام، وبدون نخبة من هذا النوع في فسطاطي الموالاة والمعارضة فسيبقى حالنا على حاله مهما أنتجنا من كلام ناقد للنظام أو مثمن لإنجازاته. يبقى أن أقول ختاما إن هناك نوابا في المعارضة والأغلبية لا ينطبق عليهم ما جاء في هذا المقال، ولكنهم يبقون من حيث العدد قلة، وهي قلة تؤكد القاعدة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل