"الِّ هَانُ الدَّهَرْ إيهِينْ أتْرَابْ": بهذا المثل الحساني استهل المزارع العصامي عبد الله ولد أحمدو حديثه مع وكالة كيفه للأنباء حين زارته في حقله ببلدة "بوظلل" التابعة لمقاطعة كنكوصه في 28 يناير 2024.
بدأ الرجل رحلته مع الزراعة قبل أربعة عقود من الزمن حين أتى الجفاف في بداية الثمانينيات من القرن الماضي على مواشي الحي الرحل.
هناك فكر الرجل في حل آخر وطريقة جديدة للعيش فاختار زراعة أرض ورثها عن والده في المنطقة المذكورة وقد كان ذلك في ظروف قاسية جدا بدء بانعدام البذور والمعدات مرورا بغياب الخبرة والتجربة وانتهاء بتسفيه الناس لأحلامه والتندر بمهنته.
صار الرجل يتجول بين أهالي المنطقة فيوصي الحجاج والتجار المسافرين للخارج بمساعدته بإرسال ما تيسر من بذور ومع كل سنة تمضي يخطو خطوات و يسجل أهدافا ، وخلال سنوات قليلة شاهد الناس وذاقوا ما لا يعرفون خضرا شهية طازجة في ولائمهم من عين المكان.
تراكمت الخبرات واتسعت تجارب الرجل وانتشر الوعي بين الناس وصار قبلة للراغبين في التعلم والعودة إلى الأرض. إنها البداية الحقيقية لزراعة الخضروات في ولاية لعصابه برمتها.
ولد أحمدو الذي بدأ تلميذا محظريا كان حاد الذكاء والنباهة وقد فهم لأول يوم من امتهان الزراعة بأنها لن تنجح إلا على قواعد علمية حديثة فصار يطلب الكتب المتخصصة وينكب على قراءتها ويتجول بين التجارب الناجحة.
لقد تطور الحقل في العقدين الماضيين فصار مزارعو الخضروات في منطقة بوظلل يأكلون ويبيعون ويدخرون وحقق هذا المزارع الجاد المندفع ما عجز عنه الجميع أي خضروات في كل الفصول.
لقد نوع حقله فبالإضافة إلى كافة الأصناف الأساسية للخضار وأعلاف المواشي نجح أيضا في زراعة أنواع كثيرة من الفواكه ممار حسبه الناس هناك معجزة ثم استجلب فسائل النخيل من السعودية فأتت ثمرا جنيا، وداخل هذه الجنان يستنشق الزائر الروائح الزكية للياسمين وغيره من النبتات العطرة ويتمتع بصره بأشجار التجميل وقد تمايلت بكافة أنواع الورود.
لقد تمكن بفضل العمل أن يحول منطقة قاحلة إلى بقعة آهلة ،نابضة بالحياة، تشد الأقوام الرحال إليها لتنشد الاستقرار والعيش الكريم على خيرات أرضها.
ضيوف الرجل يسترخون في ظلال وارفة تداعبهم نسائم ندية لطيفه و يأكلون من وجبات شهية ،مؤتمنة ومتنوعة أنتجتها يده من حقله المعطاء.
لا يجد هذا المزارع من المشاريع التنموية المتدخلة غير التافه الذي تستغله في منابر الإعلام فتسرق مجهوده، وهو الذي استطاع أن يقهر الطبيعة ويتجاوز الكثير من التحديات ويقاوم سيولا من المثبطات حتى استحق لقب عميد المزارعين بولاية لعصابه بكل استحقاق.
تحدث عبد الله إلى مكرفون وكالة كيفه للأنباء فقال إن ثلاثة مشاكل تعجزه هي النقص الحاصل في مياه الري رغم توفر المنطقة على مياه جوفية كافية لو تمكنوا من استغلالها، وآفة الطيور ثم الارتهان للأدوات البدائية في العمل، مؤكدا أنه لو تفضلت الدولة بتذليل هذه المشاكل الثلاثة لتحول هذا الجيب إلى قطب زراعي يساهم في اكتفاء الولاية من الخضروات.
حقول بوظلل بقيادة هذا الرجل طار صيتها وعم نفعها وصار ولد أحمدو مرجعا في المجال تدعوه كل المبادرات في المنطقة للاستفادة من خبرته وحكمته ولتتعلم منه قيم الصبر والمثابرة والاعتماد على الذات.
لو كان الرجل في بلد آخر على ظهر الأرض لكان له شأن مغاير ولاستغلت الدولة خبرته واستعداده وإخلاصه فعممت تجربته وأزالت عوائقه؛ وصولا إلى نهضة زراعية كبيرة تنسي المواطنين انتظار الطعام حتى يدخل من خارج الحدود.