قبل فترة طفت على السطح من جديد قضية التنصير في موريتانيا، عندما أدلى السيد محمد ولد محمد بمعلومات مفادها أن جمعية غير حكومية تدعى "نورا" طلبت منه القيام بأعمال تبشيرية مقابل علاج ابنه المريض القابع في قسم الأطفال بالمستشفى الوطني، مضيفا في نفس السياق أن آلافا من الشباب قد تم تجنيدهم من طرف الجمعية لذات الغرض، وكنا حينها بدورنا أبلغا وكيل الجمهورية الذي عمد إلى إلقاء القبض على الضحية فور نزوله من مقرنا، تاركا الحبل على الغارب للجمعية المذكورة.
الحادث يفتح الباب على مصراعيه للحديث حول هذا الموضوع الخطير الذي أغفلته السلطات الرسمية وتغاضت عنه عمدا.
التفاصيل في سياق هذه الورقة بدأت ظاهرة التنصير في موريتانيا تأخذ منحى خطيرا جدا منذ تولي الرئيس الأسبق "معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع" مقاليد الحكم بعد إن انقلب على صديقة ورفيق دربه الرئيس محمد خونه ولد هيداله الذي اعتمد الشريعة الإسلامية منهجا تشريعيا مما أثار حفيظة الدول الغربية "المسيحية" وجعلها تخشى على مستعمراتها السابقة من السير على نفس المنوال الذي سيؤدي في النهاية –حتما- إلى التحرر من قيود الاستعمار الفكري والعقائدي الذي أصبح بديلا لاستعمار الأرض. ومنذ سنة 1985 بدأت المنظمات التنصيرية تنشط على الساحة الموريتانية في ثوب العمل الإنساني مستغلة الفقر المدقع والجهل المستشري الذين تعيشهما غالبية الشعب الموريتاني.. كانت الاستراتيجية واضحة فقد قام المنظرون للعمل التبشيري بمسح شامل لموريتانيا ودراسة متأنية لطبيعة شعبها، فخلصوا إلى أن الأرياف و القرى من المناطق الشرقية هي الأكثر استجابة لأهداف هذه المنظمات بوصفها الأكثر جهلا وفقرا وسكانا وبعدا عن مصادر المعلومات الدينية والدعوية منها خاصة.
فتح "المبشرون الجدد" – في ظاهر الأمر- فصولا لمحو الأمية ومولوا جمعيات وتعاونيات نسوية وأدرجوا على قائمة أعمالهم التكفل بأطفال الشوارع، فسيطروا بذلك على منابع المجتمع ومصادر قوته المستقبلية، أميون تعلموا الابتعاد عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف لتكون الطريق بعد ذلك سالكة أمامهم لولوج باب دين آخر، ونساء حصلن على مصدر رزق بعد أن ضاقت بهن الدنيا بما رحبت إثر إهمال دولتهم لهم فأحبوا من وفروا لهن لقمة العيش وربين أبناءهن على حبهم لينتقلوا من حب الأشخاص إلى حب مصدر "كرمهم" وبالتالي اعتناقه كمذهب في الحياة والإيمان به كدين بديل لآخر أهملهم من يدعون- كذبا – أنهم حمايته، وأطفال استجلبوا من الشوارع وهم لا يعون شيئا عن دينهم مما سهل على المبشرين مهمة "تنصيرهم".
كما اعتمدت المنظمات التبشيرية على تنصير رواد السجون من المجرمين عن طريق توفير جميع متطلبات الحياة الآدمية الدنيوية الكريمة لهم.. أما اليوم وقد ظهرت على السطح أكثر من مائة منظمة تنصيرية في البلاد وستة كنائس في مقاطعة السبخة لوحدها وأصبحت أشرطة الدعوة إلى المسيحية باللهجات الوطنية في متناول الجميع ووقعت الدولة على اتفاقية تقضي بحرية الفكر والتنقل والمعتقد للأطفال وتواترت الأنباء حول وجود آلاف المرتدين من الشباب الموريتاني، فقد بات المشهد خطيرا ومنذرا بوقوع كارثة لن تحمد عقباها.
ليس من المستحيل الآن أن يطالب المسيحيون الموريتانيون بحق اعتمادهم كطائفة دينية أو أقلية دينية وبالتالي منح حقوق لهم أقلها استبدال كلمة "الإسلامية" من اسم الدولة بعبارة أخرى يكونون بموجبها مشمولين ضمن قائمة الدولة الموريتانية باعتبارهم موريتانيين بالدم والجنسية، ولن أكون حانثا هنا إذا أقسمت أن أوروبا وأمريكا سيدعمانهما للحصول على هذا المكسب إن لم يطالبوا لهم بحقيبة وزارية وعضوية دائمة في البرلمان وأخرى في مجلس الشيوخ. لم تكن قضية محمد ولد محمد الأمين إلا نكأ لجرح قديم متجدد في ظل إهمال المؤسسات الدينية والرسمية وهم يراقبون المشهد المفزع دون أن يحركوا ساكنا في ظل طمس معالم ما يسمى بشنقيط منارة الإسلام في إفريقيا التي بدأت تندثر شيئا فشيئا تحت وطأة التنصير..
فهل سينتظر المسؤولون حتى تدق نواقيس الكنائس مع أذان المساجد لينتبهوا إلى الخطر المحدق !!!! أم أن الصراع على السلطة أهم وأولى من الحفاظ على الدين!!؟
بادو ولد محمد فال
أطلس أنفو