منذ نشأتها قبل أكثر من مائة سنة، قامت مدينة كيفه على التنوع وانصهر أهلها مشكلين مجتمع كيفه ، ولم يعرف عنها حتى وهي في طور التشكل أنها مدينة قبيلة أو لون أو عرق أو طائفة.
تأسست على لحراطين الفارين من نير العبودية فتجمعوا في النواة الحضرية التي بدأ رجال من الزنوج برعاية المستعمر في إنشائها، ثم استقرت بها عوائل العسكريين الذين كانوا يخدمون مع النصارى . وحول بؤرة الاستقرار هذه تقاطر تجار من كل القبائل يجرون وراءهم أسر ومجموعات ثم نزحت جماعات من الريف القريب لتمكث في الحاضرة الجديدة.
لم تكن من بين المجموعات المتمدنة يومئذ أي من القبائل الكبيرة فكانت تلك القبائل تمثل بأسر معدودة ؛ ولذلك لم يكن ميزان القوة أو الحجم لصالح أي كان ولم تحدث الديموغرافيا الجديدة للمدينة تغيير في سلوك أي مجموعة ولم تدعي أي جهة أو جماعة ملكية المدينة أو الهيمنة عليها أو محاولة التعالي أو تهميش أي كان .
الكل أصبح على مدينة كيفه إبان نشأتها وهي حاضنة للجميع: مدينة جانبور ، مدينة أهل الدشره، القبائل ، وحتى تجار ولاته وغيرهم، والباحث في أسرار المدينة سوف يلاحظ أن مركزها مأهولا بمختلف المجموعات ويشكل لوحة بكل ألوان الطيف و أما القبائل الكبيرة فهي لا تزال حتى الآن في أطراف المدينة عكس عمق المدينة الذي بني على الإندماج ولم يؤسس على القبائل الذين كان زعماؤهم يأتون إلى المدينة لقضاء بعض الحاجات وكانوا في الغالب ينزلون خارجها تحت ظلال الأشجار ويتركون جمالهم ترعى ثم يتمون مهماتهم بالمدينة ويعودون إلى مضاربهم.
كيفه إذن بدأت كتلة واحدة وضربت مثالا رائعا للتعايش و التنوع ميزها عن كافة مدن البلاد وقد كان ذلك مصدر ثراء وقوة ذوب جميع الفوارق وشكل صخرة تحطمت عليها كافة دعوات العصبية والتفرقة. وكان الناس بهده المدينة يهتفون KIFFA KIFFA في مناسبات أفراح المدينة و حين كان يتشاجر أحد أبنائها المقيمين بمدينة النعمه أو أطار مع شخص ما يبادر أبناء المدينة هناك بالوقوف معه ظالما أو مظلوما.
إننا نجد مضمون المحبة والإخاء والتكامل بين أبناء هذه المدينة في المثل الذي ينتشر في موريتانيا " أنا أعرفك في كيفه" وقد لعبت هذه المدينة دورا بارزا في كل القضايا الوطنية وقاد شبابها النضالات التقدمية التي نادت بالعدل والمساواة والديمقراطية وتمسك أهلها بالدفاع عن هذه القيم حتى وقت قريب. واليوم تحل الإنتكاسة ويحدث النكوص وتكشف كيفه الجميلة عن وجهها الشاحب وكأنها تندم على ما فات وفي كل ركن من أركان المدينة تغني قبيلة على طبولها وتنفخ في مزامير الأنا و تدعي أنها شعب الله المختار الذي يستحق أن يستولي على كل شيء فهو صاحب الحق والتاريخ والـأرض. هي إذن هزيمة كيفه الوحدة والتعايش وانتصار التمزق والعصبية والتفوق.
أيها المرتدون السائرون في كتيبة القبيلة لقد أسأتم على تراث أجدادكم وإن أكبر درجات العقوق أن يتدابر ويتنابز الأبناء أمام أمهم ، لا تعقوا أمنا كيفه فهي لكم جميعا وآوتكم جميعا. درجتم على أرضها وعشتم تحت سمائها واستنشقتم هواءها العليل وشربتم ماءها الصافي وغذتكم مدارسها ومحاظرها بلبان المعرفة والعلم فخرجتكم نساء ورجالا نافعين لا تخذلوها بالله عليكم لا تسلموها.
أيها الإخوة لن يعيد التاريخ أيام فيرال ومنيي وجيليي ولن تسمح سنة التطور والتحول أن تخلع هذه المدينة ثوب الاندماج الذي راكمته السنين وتستسلم للعصبيات. إن المسؤولية في مواجهة النهضة القبلية التي نشاهدها الآن بهذه الولاية تقع أساسا على أهل المدينة الذين ساهموا في تأسيسها أول مرة على الوحدة والمواطنة ، كان عليهم أن ينعشوا الحلقات والمحاضرات ويرموا المناشير دفاعا عن ما بناه الأجداد وحرصا على مصلحة الأحفاد.
تعالوا نغني لقريق كيفه ، دعونا نفتخر بعلمائها ومجاهديها ، هيا نشيد بما بذله آل سيلا وفافنا وغيرهم هيا نهتف خلف كل فرد من أفراد هذه المدينة يجلب خيرا للناس و لو كان مقطوعا من "جذع". هي مدينتنا جميعا والأهل أهلنا والمستقبل لأطفال أبرياء يجب علينا جميعا أن نفرشه لهم بالورود لا أن نملأه بالأشواك .