الصفحة الأساسية > الأخبار > فلســــــفة الرحيل: لعبة، ثقافة، مبادرة

فلســــــفة الرحيل: لعبة، ثقافة، مبادرة

الجمعة 31 أيار (مايو) 2013  01:29

بون ولد باهي باحث في العلوم السياسية

هو يريدها أن ترحل، وهي تريده أن يرحل، ولأنه هو يريدها أن ترحل يفعل ما بوسعه من أجل أن ترحل، ولأنها هي تريده أن يرحل تفعل ما بوسعها من أجل الرحيل، وهو يفعل ذلك ليقنعها هي بأن ترحل، وهي تفعل ذلك لتقنعه هو بالرحيل، وهو يقوم بذلك الدور الذي يعتقد أنها هي ستعترف له بأن ترحل، وهي تقوم بذلك الدور الذي تعتقد أنه هو سيعترف لها بالرحيل، وهو يريدها أن تبدأ بالرحيل فعلا لأنها بدأت به، وهي تريده أن يبدأ بالرحيل فعلا لأنه لم يخطر على باله، وهكذا يريدها أن ترحل قبله، وتريده أن يقبلها بعده ويرحل. ومن سيرحل؟.

أولا: لعبة الرحيل

لهذا يزداد هو في اللعب وتزداد هي لعبا، وتلعب هي لعبة المعارضة، ويلعب هو لعبة النظام: وهو يلعب لعبة النظام من موقعه في القصر الرئاسي، وهي تلعب لعبة المعارضة من موقعها في ساحة بن عباس، لأنه يريدها أن ترحل، ولأنها تريد له الرحيل.

وترفع هي شعار الرحيل ويرفع هو شعار الترحيل، لأنه كما يقول يريد الترحيل لكل شيء، ولأنها كما تقول تريد الرحيل لكل شيء، وهو يريد الترحيل لموريتانيا برمتها: البطالة والفقر والفساد والمفسدين والسكن العشوائي.. وهي تريد الرحيل لموريتانيا الجديدة: البطالة والفقر والفساد والمفسدين و"التخطيط العشوائي".. وهكذا تريد هي رحيل البطالة والفقر الفساد والمفسدين وموريتانيا الجديدة، ويريد هو ترحيل البطالة والفقر والفساد والمفسدين وموريتانيا برمتها، لأنه يريد الترحيل كما يحلو له هو لا غيره، ولأنها تريد الرحيل كما يحلو لها لا غيرها.

وهو يريد الترحيل لموريتانيا برمتها لكي لا يزاحمه في موريتانيا الجديدة أحد، وهي تريد الرحيل لموريتانيا الجديدة لكي تجد موطأ قدم لها في موريتانيا برمتها، وهكذا تستمر هي في لعبة الرحيل ويستمر هو في لعبة الترحيل، وهو يستمر في لعبة الترحيل لصناعة موريتانيا الجديدة، وهي تستمر في لعبة الرحيل لصناعة موريتانيا برمتها، لأنها هي لا ترى بديلا عن صناعة موريتانيا برمتها ورحيل موريتانيا الجديدة، ولأنه هو لا يرى بديلا عن ترحيل موريتانيا برمتها وصناعة موريتانيا الجديدة.

وهكذا من واجبه هو أن يرحل كل شيء وصناعة كل شيء: فقراء موريتانا برمتها، بفقراء الاغلبية، وشباب موريتانيا برمته، بشباب الاغلبية، وأحزاب موريتانيا برمتها، بأحزاب الاغلبية، ونخب موريتانيا برمتها، بنخب الاغلبية، ومعارضة موريتانيا برمتها، بمعارضة الأغلبية، ورجال أعمال موريتانيا برمتهم، برجال أعمال الاغلبية، واقتصاد موريتانيا برمته، باقتصاد الاغلبية، ومورتانيا برمتها، بأصهار الاغلبية، ومخلصوا الاغلبية، وقبيلة الاغلبية، ونظام الأغلبية.. ولم يبق له من موريتانيا برمتها إلا ترحيل المعارضة الديمقراطية. ومن واجب المعارضة الديمقراطية بدورها رحيل كل شيء وصناعة كل شيء بشعارات الرحيل: الحشد الكبير، لا بديل عن الرحيل، الوطن في خطر، الرحيل هو الحل. وتلكم باختصار لعبة الرحيل الكلامية التي لا تعرف الحسم.

ثانيا: ثقافة الرحيل

هي باختصار ثقافة الترحيل كما يريد النظام، أو ثقافة أرحل كما تريد المعارضة.

هذه الثقافة وقبل كل شيء أعرّفُها ب: " ثقافة الأفكار الوسخة "، لكونها ثقافة إقصائية عنصرية تنتج الكراهية والفتنة والفرقة في المجتمع والعدوانية والتخلف، فهي كالكوب الوسخ الذي يلوث الماء قبل أن يصل إلى فم شاربه، لكونها ثقافة هدم وليس بناء: وهي بكل بساطة ثقافة رحيل النظام أو موت المعارضة.

وما يميز هذه الثقافة هو أنها أكثر انتشارا من أي ثقافة أخرى. لقد باتت موجودة حتى في مدركات الاطفال. فمن يتحدث عن الترحيل يتحدث عن رئيس الفقراء وانجازاته في الشوارع أوالكزرات أو ما إلى ذلك من تفهات.. ومن يتحدث عن الرحيل لا محالة يقصد المعارضة وانجازاتها العدمية العاجزة. وهكذا جاء الاعتقاد القائل : بعدم جدوائية المعارضة وبزوالها، وبأن النظام أفضل من الانظمة السابقة له.

والحال أن ثقافة الافكار الوسخة لا تقتصر على هذا الدور وحسب، وإنما بنعت وبتحويل المعارضة في أذهان الناس على أنها جماعة من الكهول والمخربين والعجزة دعاة الفتنة والفرقة. وهو ما بات معلوما في الأنثربولوجيا الثقافية ومن نتائجه تغلغل النظام في المجتمع ولو بإغراءات دعائيةواهية مكشوفة وفشل المعارضة على الاقل في فضحه. وإلا فما سر بقاء نظام قامت ضده انتفاضات شعبية عارمة كان من أخطرها على أقل تقدير:

 موظفوا الدولة : أطباء، أساتذة، جنود، عمال من مختلف الادارات والوزارات، ورجال الأمن والإطفاء.. إلخ.

 مدن بأكملها : أزويرات، كمقطع لحجار، ديكني، وغيرها.

 غضب شرائح كبيرة من المجتمع : 25 فبراير، كواس حامل شهادة، تضامن حملة الشهادات العاطلين، أهل الكزرات، لا تلمس جنسيتي، إيرا، أفلام، لا لتهميش لمعلمين، الباعة المتجولين وباعة الشارع، الحمالة والجورنالية، الشباب بشكل عام..إلخ.

 الدخول في صراعات شخصية مع بعض القبائل ورجالات المال والأعمال : ما قد يسبب في حرب أهلية تأتي على الاخضر واليابس.

 التعيينات في المؤسسة العسكرية لاعتبارات شخصية ومصلحية : وما نتج عن ذلك من استياء مكونات المجتمع الموريتايني المعروف بالهشاشة: القبلية: (تهميش بعض القبائل الكبرى في البلد)، والاثنية: (إقصاء لحراطين والزنوج).

 انهيار سمعة الدولة في الخارج ونعتها بالدولة الفاشلة:دولة الارهاب ومافيا المخدرات.

ورغم أن جميع هذه الظواهر دليل قاطع وأكبر مؤشر على تهالك النظام، وكما هو معلوم فالنظام الفاسد يحمل في مكوناته أسباب زواله. إلا أنه بالخطابات الشعبوية والدعائية الفارغة تماما من السياسة لا يزال يتغلغل في مجتمع أقسم المفكر الكبير مالك بن نبي على قابليته للاستعمار.

ومن حق الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يفعل ما يحل له وأن يقرر كذلك لأن الشعب الموريتاني اختاره لهذا الغرض بنسبة 52% ولم يختر معه شريكا أو ندا حاشى لله، وهو وحده من يستحق الاستئثار بالسلطة والدولة والنفوذ، تلكم باختصار مصيبة الديمقراطية الانتخابية أوديمقراطية العسكر المستمدة لشرعنتها من الانتخاب.

لقد فعلت فينا هذه الثقافة المتخلفة، فعلتها الماكرة ولا تزال إلى يومنا هذا: تعاقب، تقصي، تجرم، تصنف، ترفع، تخفض، تحيي، تميت، وندفع ثمنها مع مرور الوقت.. وما يهمنا نحن هنا ليس ما تحقق أو ما كان ينبغي أن يتحقق وإنما شيء واحد وهو: خطر تغلغل تلك الثقافة الاستهلاكية المتخلفة فينا: ثقافة النظام العدائية أوثقافة منسقية المعارضة الديمقراطية العاجزة. وهذه الثقافة باختصار هي : ثقافة صناعة: موت المعارضة، أو رحيل النظام. وبعبارة أخرى موريتانيا بلا معارضة كما يريد النظام، أوموريتانيا بلا نظام فاسد كما تريد المعارضة. حفظ الله موريتانيا.

ثالثا: المبادرة والرحيل

قد يتبادر إلى ذهن القاريء الكريم من خلال هذا التركيب الفيللوجي لمفردتي: "المبادرة والرحيل"، أن المقصود هنا: "مبادرة الرحيل"، أو "رحيل المبادرة"، أما المبادرة والرحيل فهذا تحصيل للحاصل. إذ لا يخفى على أحد ما لمبادرة مسعود من أهمية بالغة على الأقل في الوقت الراهن بوصفها أضحت طرفا ثالثا قويا في لعبة الرحيل.

أما "مبادرة الرحيل"، فربما تفهم على أنها مبادرة لرحيل منسيقية المعارضة، أوهي "رحيل الرحيل". وأما "رحيل المبادرة"، فقد يذهب البعض في تصوره إلى رحيل النظام والمعارضة عن مواقفهما ليكون للمبادرة موقفها.

وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول : المسعوديين والمبادرة من جهة، والنظام والمبادرة من جهة ثانية، والمبادرة والمنسقية من جهة ثالثة؟.

أولا: وقبل ذلك يجب التذكير للأمانة بأن فلسفة المبادرة تقوم على جمع الشمل، والبادئ أفضل، بيد أنه لا يمكن تجاهل السياق العام للمشهد السياسي وبالخصوص علاقة الرئيس مسعود بالنظام المشبوهة، فهل تشهد توترا أم تحسنا؟.

فإذا كان الجواب بأنها تشهد توترا، فهل المبادرة خطوة جريئة للالتفاف على برنامج رئيس الجمهورية أم هي من منظور آخر شعور المسعوديون بخطر تلاشيهم وبرنامجهم وخطابهم وخطهم السياسي في النظام؟. وباتالي تكون البداية الفعلية لنهاية مفهوم "المعارضة الموالية" الغامض والرجوع خطوتين إلى المعارضة الديمقراطية كما حصل مؤخرا مع بعض أحزاب "معارضة الاغلبية"؟. أما إذا كان الجواب أنها تشهد تحسنا، فهل المبادرة كبش فداء لدعم برنامج رئيس الجمهورية وسحق المعارضة الديمقراطية، أم هي محاولة جادة لرمي الاثنين بحجر واحد: لكسبهما في آن لصالح المسعودين؟. وعموما لا شك أن للمبادرة رسالة قوية لا يمكن أن تكون محايدة على مقاس اتفاق دكار الذي هو برعاية من طرف خارجي هو: دولة سنغال.

ثانيا: النظام والمبادرة أيضا يطرح نفس السؤال: فهل علاقة الرئيس محمد ولد عبد العزيز والرئيس مسعود ولد بلخير تشهد توترا أم تحسنا؟. فإذا كان الجواب أنها تشهد توترا فهل هي مبادرة لسحق النظام وخصوصا في جزئية المبادرة المتعلق بالحكومة الموسعة والانتخابات؟. أما إذا كان الجواب أنها تشهد تحسنا فهل طلب منه النظام أن يقوم بهذه المهمة الصعبة والشاقة وهي مهمة إعداد المبادرة والدعوة لها وتحمل تبعات ذلك؟.

ثالثا: المنسقية والمبادرة وهذه المرة أفضل أن أطرح مقلوب نفس السؤال لأن كثرة التكرار مملة وأنا بدوري مللتها وبالتالي: فهل علاقة منسقية المعارضة الديمقراطية والرئيس مسعود تشهد تحسنا أم توترا؟. فإذا كان الجواب أنها تشهد تحسنا فهل تكون مبررا للحاق بركب منسقية المعارضة ورحيل النظام؟. أما إذا كان الجواب أنها تشهد توترا فهل تدفع الرئيس مسعود إلى التصعيد والدخول في المواجه مع المنسقية بشكل من الاشكال؟. والسياسة إما أن تكون لعبة وطنية أو لعبة مصالح.

عموما لا تفيدنا هذه التساؤلات في شيء ولا حتى التوقعات والملاحظات فالأيام القادمة ستكون الفيصل، وما يمكن أن يستخلص من نتائج هو شيئين وفقط: اعتراف الاطراف عن وعي أو بدون وعي (أردوا ذلك أو لم يريدوه) بالأزمة السياسية.

والشيء الثاني هو الأمل في حل الأزمة خارج المحذور : وهكذا يأمل النظام في حل الازمة بدون حكومة موسعة، ويأمل مسعود ولد بلخير في حلها بحكومة موسعة أو بدونها، وتأمل المعارضة في حلها بحكومة موسعة أو بالرحيل.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016