كم أشفق على الذين يعتقدون أن المعارضة اليوم يمكن أن تقاطع الانتخابات وكم أشفق على ولد عبد العزيز الذي يحاول جر هذه المعارضة للدخول معه في نزال انتخابي جديد مستخدما من أجل ذلك كل الأسلحة (مبادرة مسعود، بعض التنازلات، خطابات مهذبة تجاه الخصم) إذ أن الرجل مازال يعيش عقدة الشرعية التي تتماهى في أعراضها مع متلازمة داكار لدى المعارضة التقليدية.
ولهؤلاء وحتى لا يقلقون أكثر على مصير البلاد أجزم بأن تلك المعارضة ستشارك في الانتخابات المقبلة والسبب يمكن تأويله حسب المزاج.. فلو كنا قاسيين لقلنا إن المعارضة وظفت مجموعة من الأشخاص في البرلمان كنواب وشيوخ كما وظفت آخرين كعمد ومستشارين ومسيرين لحوانيت الأمل.. وهذه الصفات تبقى قنوات لهذه الأحزاب للاستفادة من خدمات وخيرات الدولة عبر توسط منتخبيها وتدخلهم في القضايا التي تتعلق بمناضلي هذه الأحزاب.. كما حصلت هذه الأحزاب على الأموال من الدولة وغيرها فقط لأنها شاركت ولأنها نالت نصيبا من أصوات الموريتانيين.. وبالتالي فمن العبث أن نعتقد كالأطفال أن المعارضة ستقاطع وتفرط في المغنم، فذلك يعني ببساطة تشتت النواب والعمد والشيوخ وشيوخ القبائل والوزراء السابقين لمعاوية وولد هيدالة وولد داداه، سيذهبون بحثا عن فرص "عمل" أخرى ما يعني بقاء القادة وحيدين في بيوتهم مع بعض المخلصين ممن لا يعرفون بأن هذه الأحزاب في طريقها للزوال بعد أيام أو أشهر حسب القرار الذي سيتخذه القائد الملهم.
لو تفاءلنا كثيرا لقلنا إن المعارضة ستخسر بمقاطعتها إيصال صيحات المظلومين إلى العالم، وإلى الشعب.. ستترك البرلمان لخصومها من "أعداء الشعب" للتفرد به والتهامه كلقمة سائغة.. كما ستخسر مناضليها ممن جبلوا على التوجه إلى صناديق الاقتراع حتى تحول التصويت عندهم إلى عادة يجب أن تمارس وتحت أي شعار.. وهذا ما لا أعتقد أن حكماء الرفض سيقعون فيه.. التهديد بعدم المشاركة يجب أن يستمر حتى آخر لحظة عله يكون مفيدا وجالبا لتنازلات النظام المسكون بمرض "الشرعية".. لكن في النهاية سيرافق هذا التلويح والتهديد عمل داخلي وحملة انتساب وتحسيس بانتخابات "محتملة" والحقيقة طبعا أنها ليست محتملة بل واقعة، والجميع سيشارك.
لنفترض أن المعارضة لم تشارك ولنفترض بأن معارضة أخرى شاركت وتبوأت مكانة ما كانت لتنالها لولا مقاطعة المعارضة "الأصلية" هل تعتقدون أن العالم سيقول: لا.. لن نقبل لأننا لم نر الوجوه التي ألفناها في المشهد السياسي.. العالم لا يقول أي شيء ولا يعترض على شيء.. مبدأ الساسة في الغرب انه "تندب الموافقة فيما لا حرج فيه، والحرج عندهم هو تعرض مصالحهم للخطر، الشيء الذي لن يقوم به أي كان في موريتانيا، فقد رضع كل سياسيي موريتانيا الجدد منهم والمومياءات حب فرنسا والخوف من فرنسا، ومن يشبه الفرنسيين في اللون وزرقة العيون.
ستشارك المعارضة في النهاية فلا تقلق عزيزي القارئ على مستقبل البلاد.. ما عليك أن تقلق بشأنه هو طول أعمار أهل السياسة عندنا، في النظام والمعارضة.. فمن عارضوا ولد داداه الأول هم من يعارضون ولد عبد العزيز اليوم ومن ساندوا وأسسوا حزب الشعب بالأمس البعيد طبعا هم قادة أحزاب الأغلبية اليوم مع تبادل طفيف في الأدوار.. لا يستقر إلا على كعكة أو مائدة تكون زادا في رحلة الافتراس الطويلة.