مرة أخرى تطل القبيلة على مدينتنا الرازحة تحت الهموم والمشاكل ويتبدى ضعف الدولة وعجزها في مواسم الحشد و التضليل وتظهر السلطة مستكينة وخانعة للانتهازيين ونخاسي العصر الحديث من شيوخ القبائل والبطون والسائرين في فلكهم من المغلوبين على أمرهم ، وتصبح الساحات الرسمية والمقرات الإدارية عناوين شاهدة على يقظة العصبويات المقيتة التي تسوق الناس دوما إلى حيث تكون مصالح المهيمنين في هرم العشيرة.
لا يعنى صيف المواطن المثقل بالهموم شيئا للقبيلة فهي لا تتحرك عندما ينقطع الكهرباء أو الماء وليست لديها مطالب لإصلاح النظام التربوي والاهتمام بالعمال والفلاحين ولم تجتمع يوما للمطالبة بتخفيض الأسعار أو تحسين الوضع الصحي وهي أيضا لم تعقد أي اجتماعات خلال هذا العام الذي يضرب فيه الجفاف المواطنين وتتضرر بشكل بالغ أطراف واسعة من الولاية وعموم البلاد .
والذين يتحركون هنا لا يقيمون أغلب أوقات السنة في المدينة وخلال ساعات معدودة يصبحون على شواطئ الأطلسي هناك.
لكن ما يثير الحنق فعلا هو أن يتم كل هذا على مرأى ومسمع السلطات العمومية بل تحت حمايتها ومباركتها وكأن القبائل أصبحت الأطر الدستورية الشرعية في إدارة الخلاف والصراع السياسي في البلاد.
في الأزمنة التي كان الناس يرونها أحلك فترات البلاد بعيد تشكل الدولة و في العهود العسكرية الاستثنائية لم تجرأ القبائل يوما على ترسيم نشاطاتها واقتناء المقرات والتجمهر في الساحات العامة و الصدح بالعبارات القبلية البغيضة عبر مكبرات الصوت ، وظلت القبائل تقوم بذلك بأسلوب أكثر احتشاما داخل المنازل الخاصة وفي الأماكن المنزوية ، واليوم تعود هذه القبائل عقودا إلى الوراء وتدشن العودة إلى أسلوب " الحصرة " التي كان المستعمر يشرف عليها بتمالئ سافر مع السلطات الإدارية.
من يمنع هذه القبائل الهائجة غدا من التطاول على الجزء اليسير المتبقي من رموز الدولة الوطنية ومظاهر الاندماج والسكينة ومن يحول بينها بعد غد من أن تكتتب ميليشيات أليست بمنطقتنا والعالم تجارب كثيرة تسببت فيها العصبويات إلى دمار ماحق و إبادات ومآسي .؟
لم تصلح القبيلة يوما أحوال الناس وهي لم تكن ولن تكون إلا أداة بالية لتكريس الطبقية المقيتة وإشاعة أسباب التمزق والتلاشي والغبن والعبودية ، وهي اليوم لا تتحرك بدافع الحرص على مصلحة العباد والبلاد ولكنه جنون المواسم السياسية التي تجب المصارعة من أجل تقاسم كعكتها كلما لاح وميض فرصة لتجارة البشر هذه .