أنباء انفو- قال الوزير والدبلوماسي السابق محمد فال ولد بلال في مقابلة صحفية ان مأمورية ولد عبد العزيز أوشكت على النّهايةحيث لم يبق منها سوى سنة ونيف. والسنة الأخيرة لا تكون في العادة سنة عمل وإنجاز، بل هي - على الأرجح - سنة إعداد وتمهيد للحملة الرئاسية القادمة، وما يرافق ذلك من إرهاصات ومناورات انتخابيّة، فقط لا غير... وبهذا المعنى، يمكن – من الآن - تقييم الحكم بشكل إجمالي من خلال ما آلت إليه الأوضاع مع نهاية مأموريته... دون تفريط أو إفراط، وبدون تهوين أو تهويل علي حد قوله .
واضاف ولد بلال ان البلد يتخبّط في أزمة مركّبة ، غير نمطيّة، ومتعدّدة الأبعاد... أزمة مؤسّساتية: تتمثّل في خرق صارخ لمبدإ دستوري أساسي يقضي باحترام دورية الانتخابات... وما نتج عن ذلك من وجود مؤسسات بلديّة وبرلمانيّة منتهيّة الصّلاحيّة منذ قرابة عامين... مؤسّسات شاخصة بشكلها، غائبة بمضمونها، فاقدة لمعناها ومغزاها... مدّدت لنفسها بنفسها بعد أن انتهت مأموريتها الدستورية دون أن تحرّك ساكنا... هذا بالإضافة إلى ما قام به الحكم من تمييع للإدارة، وتضخيم للجيش، وانخراط محموم في مؤسسات وهيئات شعبويّة ذات طابع استيعابي محض...
واكد ولد بلال الذي كان يتحدث لمدونة مدينة مقطع لحجار التي ينحدر منها ان موريتانيا تعرف أزمة سيّاسيّة: تتمثّل في الانسداد وانعدام الرّؤية... والقطيعة التّامة بين طرفي المشهد السياسي الرئيسيين، أعني المعارضة والموالاة… غياب الحد الأدنى من التراضي والتشاور بينهما أدّى إلى حالة الجمود والركود التي تعيشها البلاد... حالة خواء وفقر في الخطاب ونقص في الأداء والابتكار... موالاة تبرّر وتمجّد، ومعارضة تنتقد وتندّد... وبين الطرفين، يبقى البلد في حالة شلل... فلا السلطة استطاعت إقصاء المعارضة أو تحييدها، ولا المعارضة استطاعت ترحيل السلطة أو سحب البساط من تحت أقدامها... والشعب هو من يدفع ثمن هذا التوازن الصّفري. كما تعرف أزمة مجتمعيّة: تتمثّل في التشرذم والانقسام داخل المجتمع، حيث بدأت الولاءات الدّونية أو الضيقة تطفو على السّطح - بل وتطغى- على نحو غير مسبوق، حاملة معها نذر التفكّك والتّشظي والانشطار إلى فئات وشرائح وأعراق وجهات وأجيال: بيظان، احراطين، أكور، صنّاع، شمال، شرق، شباب، شيوخ، إلخ... وبدأت أصوات ترتفع هنا وهناك تزامنا مع الفضائيّات والأنترنت ومنابر دوليّة ومناخ سياسي عالمي موات لأطروحاتها المتناغمة مع أدبيّات العولمة... دون أن تبدي الحكومة أي انزعاج، أو إحراج...
بالاضافة الي أزمة أخلاقيّة: تتمثّل في انهيّار منظومة القيّم التّقليديّة التي كانت مصدر قوتنا وقوامنا، وسرّ وجودنا و بقائنا... بها وعليها استقرّ نظامنا المجتمعي لمدّة قرون... زالت النّخوة، واختفت المروءة، وضاعت الآداب، وفسدت الأسرة، وقلّ الصّدق، وانتشرت الجريمة بشتى أنواعها... وتحكّم الكسب السّريع، والجري وراء ملذّات الحس و"الموْضة"، وسيْطرت المصالح الآنيّة، وثقافة التّربّح... وما "تّسجيلات أكرا" عنّا ببعيد...
هذا فضلا عن أزمة معيشيّة: تتمثّل في كلفة الحياة ، وارتفاع الأسعار، وشحّ الوسائل والموارد لدى الأسر الضعيفة والمتوسّطة... رغم الدور الإيجابي الذي تضطلع به دكاكين "أمل"... إلاّ أنّها لا توفّر إلاّ جزءا يسيرا من المواد الضروريّة، فهناك مواد أساسيّة عديدة كاللّحوم مثلا، والدواء لا توجد في دكاكين "أمل"، وكذا النقل، والملابس، والأعمال المدرّة للدّخل؟... لذا، تصاعدت الاحتجاجات، وانتشرت الحركات المطلبيّة في العديد من المناطق والمرافق ...
تلكم هي السّمات البارزة للوضع الرّاهن في البلاد... دولة مأزومة إلى حدّ كبير، غيْر أنّها - ولله الحمد - لم تصل بعد إلى حدّ الفشل... فالحكومة تزاول نشاطها، وتؤدّي أدوارها بشكل يتفاوت من متوسّط [كالبنى التحتية مثلا، وتأمين الحدود، والطّاقة، والطرقات...] إلى سيّئ [مثل الصحة، والتعليم، والإدارة، والمرافق الخدميّة العامّة] إلى سيئ جدا [في مجال الحكامة السياسية، وسيادة القانون، والنّهوض بالقيّم والأخلاق والوحدة الوطنية علي حد تعبير ولد بلال