يبدو ان موريتانيا تتجه لدخول أزمة سياسية في ظل معركة لي الأذرع التي يمارسها النظام الحاكم من جهة ومنسقية احزاب المعارضة من جهة اخرى منذ العام 2008..
ورغم ان رئيس الجمعية الوطنية ورئيس حزب التحالف الشعبي قدم مبادرة قوية في هذا الصدد تم تنقيحها ومناقشتها لأكثر من عام مع المعارضة والنظام ومؤسسات المجتمع المدني، إلا ان الأمور تتجه للتعقيد حول نقطة تعيين حكومة توافقية بقيادة رئيس وزراء تكنوقراطي.
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أكد خلال لقائه بنواب أغلبيته يوم الاحد 12 مايو انه على استعداده لقبول كل نقاط مبادرة مسعود ولد بلخير باستثناء نقطة مشاركة المعارضة في حكومة ائتلافية تشرف على الانتخابات المقبلة، وان الانتخابات ستجري في وقتها المحدد (سبتمبر اكتوبر 2013.
يعتقد ولد عبد العزيز المتكئ على أغلبية مريحة وخطاب سياسي جديد وتحالف مع الغرب -بما في ذلك فرنسا المستعمر السابق- ونخبة من الجنرالات والسياسيين المحنكين انه: "رئيس منتخب" ولن يشارك المعارضة في حكومته.
كلام يبدو انه ازعج منسقية المعارضة التي تضم اكبر عدد من الديمقراطيين والزعماء ذوو التجربة العميقة بما في ذلك التكتل اكبر أحزاب المعارضة إضافة لليساريين والإسلاميين وعدد من الأحزاب الأخرى ذات الوزن السياسي التاريخي اضافة للمستقلين من قادة عسكريين سابقين مع تعاطف رؤساء سابقين في موريتانيا.. فبادرت إلى تقديم رؤيتها لانتخابات حرة ونزيهة في البلاد؛ تتمحور حول اربع متطلبات وصفتها بالأساسية؛ على راسها إشراف سياسي محايد وذو مصداقية حقيقية (حكومة وحدة توافقية يرأسها وزير اول تكنوقراطي)، ومؤسسات انتخابية يوثق بها، وحياد وسائل الدولة ونفوذ سلطانها، وتحضير مادي وفني مرضٍ.
وأكدت المنسقية بحسب وثيقة جاءت 3 أيام بعد رفض الرئيس لمبدأ تعيين الحكومة مضيفة: ان حكومة توافقية يقودها رئيس وزراء محايد يكون متمتعا بكل الصلاحيات الضرورية، هي وحدها القادرة على ضمان شفافية الانتخابات المقبلة.
ولم تنس المعارضة اشتراط: "إدلاء كل قائد من قواد أركان الجيش والدرك والحرس والشرطة وقوات الأمن الأخرى بتصريح علني مصحوب بيمين يلتزم فيه بأن يبقى على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين" كرسالة مزعجة لفريق من الجنرالات الذين تتهمهم المعارضة بالتدخل في شؤون الحكم وتوجيه الناخبين.
التحليل الأكثر عمقا هو ان صراع النظام والمعارضة ليس على الحكومة التوافقية بالذات بل على شخص مسعود ولد بلخير السياسي المحنك ورئيس البرلمان الذي خصص 8 سنوات الماضية لفحص التقلبات السياسية المتلاحقة وكان ينجو في كل مرحلة من عواصفها.
لقد نجح النظام في كسر عظم المعارضة عندما سحب مسعود إلى جانب "الرافضين للثورة" و"المحافظين على الاستقرار" وهي عبارات راجت منذ منتصف 2011 كنوع من التورية عن رفض تحرك المعارضة والشارع للاطاحة بالرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي وصل للسلطة عن طريق انقلاب 2008، وكنوع من الوقوف في وجه استنساخ الربيع العربي.
لكن المعارضة ظلت خلال تحليلاتها للوضع تطمح لاسترداد مسعود ولد بلخير الى صفوفها، فلم ترفض مبادرته ولم تقبلها وتجنبت بشكل دائم مهاجمته، وخططت لتجعل النظام هو من يرفض مبادرة مسعود، وبمجرد إحساسها ان مسعود وضع بند الحكومة التوافقية في مبادرته، وان النظام رفض الاستجابة لذلك، بادرت في مؤتمر صحفي الى قبولها واشتراطها ايضا في وثيقتها.
يمكن القول تقريبا ان مسعود ولد بلخير هو الورقة الرابحة في ظل التوازن الحاصل بين القوى الكبرى هذه الفترة في الساحة السياسية (النظام – المعارضة) حيث ان الجهة التي ينضم إليها -في حال لم تنجح مبادرته- تكون قد حققت نقطة قوة يصعب هزيمتها معها.
من هذا المنطلق يعتقد المحللون ان المنسقية رغم احباطاتها مرتين منذ 2011 واحدة بخسارتها لمسعود ولد بلخير، والثانية لفشل دعوتها لرحيل النظام من خلال تحريك الشارع فانها ظلت متمسكة بزمام المبادرة حتى وضعت النظام في مأزق من خلال خيارين: إما قبول حكومة الوحدة الوطنية وبالتالي تكون قد حققت نصرا من خلال سياستها المرنة، أو تدفع النظام لرفض مبادرة مسعود، ما سيدفع ولد بلخير للقنوط من إمكانية الإصلاح الناعم، فيعود لصفوف المعارضة الراديكالية المطالبة برحيل النظام، وهنا يصبح النظام في مواجهة معارضة مكتملة يمكن ان تزحف في أي وقت على قصره ولديها مشروعية وشعبية ضاربة في اجواء عربية وعالمية تدعم الانقلابات عبر الثورة.
لكن من جهة أخرى فان النظام الموريتاني الذي أظهر مهارة في كسب الرهان في أحلك الظروف يمكن ان يكون لديه مخطط غير معلن، فقد مرر انقلابا عسكريا على رئيس منتخب6 أغسطس 2008 رغم ادانة المجتمع الدولي، بعد ان قاد مفاوضات شاقة ومعقدة انتهت باتفاق داكار، وكسب انتخابات الرئاسة 18 يوليو 2009 بطريقة مذهلة، برغم أنف المعارضة، كما تمكن من افشال مخططات للإطاحة به من خلال المظاهرات وصادر خطاب المعارضة وتبناه في خطاباته السياسية، وفضلا عن ذلك تمكن من اثبات ولاء الجيش له وانه لن ينقلب عليه مهما تزايد صراخ خصومه السياسيين.. لقد اصيب مؤخرا برصاصة في ظروف غامضة ونقل الى فرنسا للعلاج.. فيما ظلت المؤسسة العسكرية ثابتة على رأيها في استقرار دائرة الحكم، ووجهت افرادها للحفاظ على الامن، يعتقد على نطاق واسع في موريتانيا ان ذلك بداية مرحلة جديدة لم تعهدها الدولة المعروفة عالميا بانها "دولة الانقلابات".
ان الرئيس محمد ولد عبد العزيز يحاول إظهار المعارضة دائما كمجموعة مفسدين باحثين عن المصالح، وموقفه الحالي يتجه في هذا الصدد، حيث انه وافق على كل الشروط الا شرط الحكومة التوافقية.. هذه نقطة ضد المعارضة تجد لها وقعا على الرأي العام.
بالنسبة للنظام وفي تصريحات مختلفة فان: المعارضة لا تريد الإصلاح، ولا تريد التوافق.. انها تريد المال والمناصب الحكومية، وهو أمر يلعب عليه النظام بقوة ويشكل إحدى نقاط مخاطبته للرأي العام.
نقطة القوة الثانية المحسوبة للنظام هي قدرته على تمرير انتخابات في الوقت الذي يريده، فالانتخابات التشريعية والبلدية التي كان يفترض ان تتم في اكتوبر 2011 تم تاجيلها الى اجل غير محدد قبل ان يعلن وزير الداخلية الموريتاني محمد ولد ابيليل الجمعة 27-7-2012 ــ إن الحكومة حسمت موعد الانتخابات، في نوفمبر 2012، بعد تأجيل دام عدة أشهر.. ليتم تأجيلها أيضا مرة اخرى قبل ان تعلن اللجنة المستقلة للانتخابات انها ستنظم في الفترة الواقعة ما بين منتصف سبتمبر ومنتصف أكتوبر 2013 ( باقتصار: كانت هنالك انتخابات 2011 ولم تنظم.. واخرى 2012 ولم تنظم.. وواحدة 2013 يتم التمهيد لها حاليا في ظروف تتميز بالضبابية).
بعد تاجيل الانتخابات بهذه الطريقة المزعجة ورغم ان الوضع الدستوري للبلاد شهد فراغا فظيعا، ورغم ان التعداد السكاني لم يكتمل بعد، إلا ان أحزاب المعارضة تبدو أضعف من فرض الانتخابات في وقت معين.. وحتى اضعف من مقاطعتها في حال فرضت عليها في وقت غير مناسب، لان التحليل الان يتجه إلى ان الانتخابات حتى لو جرت في موعدها بما يناسب النظام الحاكم ومرشحيه فان أحزاب منسقية المعارضة لن تتماسك في موقف واحد من مقاطعتها، لانها غير متفقة فيما بينها، ولأنها ستخسر –ربما الى الأبد- مكانها في قبة البرلمان، كما ان أتباعها في الداخل لن يتقيدوا بهذه المقاطعة وسيشاركون، فالانتخابات في موريتانيا لا تزال سوق صفقات سياسية تشارك فيه القبائل والمجموعات المحلية، فضلا عن ان مقاطعة الانتخابات هي نوع من الانتحار السياسي لأي حزب سياسي لا يوجد في تشكيلة قوية قادرة على فرض ارادتتها وتعويضه سياسيا عن الخسارة التي سيتكبدها.
هذا الشد والجذب ورغم كل النيران النائمة تحت الرماد بين النظام الموريتاني العنيد ومعارضته الشرسة، قد يجد له حلا امام معرفة كلى الطرفين ان هنالك ملفات داخلية صامتة في موريتانيا قد تنفجر في أي وقت من بينها قضية الإرث الإنساني والمظالم والصراعات القبلية الضيقة، وقضية ملفات الجريمة المنظمة التي تشهد تزايدا ملحوظا فضلا عن ملفات خارجية أبرزها تهديد الشبكات الإرهابية المحتمل للبلاد والذي بات أكثر جدية وخطورة بعد حرب مالي ومشاركة موريتانيا في قوة السلام وتسخير أرضها لشن هجوم وتنسيق امني واسع لطرد القاعدة من جارتها مالي، (حرب تحرير اقليم ازواد انطلقت منذ يناير 2013 بقيادة فرنسا وبمشاركة قوة افريقية في القتال لتحرير ازواد من سيطرة القاعدة ومنظمات اسلامية متشددة).
هذا كله يشكل ملفا امنيا بالغ الحساسية في بلد يخطو خطوات بطيئة على طريق التنمية، ويشهد ازمة اقتصادية وغيابا للعدالة وضعفا في خدمات التعليم والصحة ويعيش تعددا في الأعراق والهويات ويطمح لمسح جراح سنوات من الشد والجذب العنصري لا تزال مخلفاتهما قائمة.
وبالفعل فان المعارضة والنظام يوليان اهتماما بهذا الموضوع ويعرفان ان انفجار أحد هذه الملفات قد يعصف بالمعارضة والنظام معا وربما يؤدي إلى تغيير خريطة السياسة نفسها في البلاد.
كما ان حذر المعارضة والنظام معا كطبقة سياسية تقليدية من بروز قوة جديدة غير معروفة وغير مؤدلجة وغير محسوبة الخطوات كما حدث فبراير 2011 هو أمر يساعد الطرفين على تخطي الخلافات وتامين مرحلة من التعايش
نقلا عن موقع "الوسيط"