يتحدّث كتّاب (بضم الكاف) السيير عن نهاية الجاحظ ووفاته عام 868م/255هـ ، وعمره اكثر من التسعين وقد هدّه الشلل، فعندما كان جالسا في مكتبته يطالع الكتب المحببة إليه، وقع عليه صف من الكتب أردته ميتاً، وهكذا مات الجاحظ مدفونا بالكتب! قد يقال ان القراءة مجرد ترف، لأن الجائع لا يقرأ والعاطل لا يقرأ والعائد إلى أولاده في المساء بعد عمل يوم مضنى، يفضل أن يحمل إليهم كيس فاكهة على أن يتأبط ديوانا للمتنبي او رواية لغائب طعمة فرمان او دراسة عن احوال المجتمع كتبها علي الوردي. فآخر هموم مثل هؤلاء الناس أن يقرأوا المزيد من الخوف واليأس والسأم! ولكن لو اردنا ترتيب المعادلة وسألنا: هل يقرأ المسؤولون وأصحاب القرار؟ لكونهم في مأمن من جوع وخوف وبطالة ! يؤكد دارسو سيير الزعماء، ان القراءة دائما ما تؤثر في رؤيتهم بل وتساهم في تشكيل مستقبل اوطانهم. ولعل أكثر السياسيين نهماً للقراءة في التاريخ هو (وليام جلادستون) الذي كان رئيساً لوزراء بريطانيا في القرن التاسع عشرن وتشير مذكراته إلى أنه قرأ 20 ألف كتاب خلال حياته التي دامت 88 عاما. وان (توماس جيفرسون) الرئيس الأمريكي، لم يكن بأقل شأناً هو الآخر في ما يتعلق بقراءة الكتب. وقد أورث مكتبته البالغة 6400 كتاب إلى الجهة التي أصبحت فيما بعد مكتبة الكونغرس. ويخبرنا (دي سليفا) رئيس البرازيل الأسبق، إنه يحب أن يأوي إلى السرير ومعه إحدى روايات (ماركيز) ويضيف: “دائما ما افتح رواية ماركيز الشهيرة الحب في زمن الكوليرا”. ويقول (هنري كسنجر) في مذكراته “بعد يوم طويل من المفاوضات والجدل بين دهاليز السياسة، أستريح اخيرا في جولة أحرص فيها دائماً على مشاهدة باعة الكتب، وهو منظر يعيدني الى ايام شبابي حيث كنت احث الخطى نحو مكتبة المدينة صبيحة كل يوم احد”. حكاية (كسينجر) مع الكتب تذكرني شخصيا “بأيام زمان” عندما كانت تقودني قدماي الى شارع المتنبي وأتساءل: هل تصح على العرب شهادة (موشي دايان) التي اطلقها بعد نكسة حزيران 1967، من أننا شعوب لا تقرأ ؟! ان أكثر ما يدعو للسخرية هو تكالب المسؤولين في العراق الحصول على شهادة عليا، فهذا دكتوراه في القانون ! وذاك حصل على شهادة عليا في الآداب ! والأخر أنجز أطروحته السياسية ! فهم باحثون عن الشهرة العلمية فقط ! لا جديد لديهم سوى تقديم نموذج لرجل السلطه الذي يعرف كل شيء وبيده كل شيء ولكنه لا يقرأ أي شيء ! دعونا نسأل: ما هي قائمة الكتب المفضلة لدى “بعض” ساستنا ؟! من منهم قرأ وعاظ السلاطين لعلي الوردي. او تعليقات معروف الرصافي. او تاريخ الوزارات العراقية لعبدالرزاق الحسني. كتب الرئيس الفرنسي الراحل (ميتران) عبارة مؤثرة: “يفقد الإنسان اتصاله بالواقع إذا لم يكن محاطاً بكتبه”. بينما يفقد ساستنا اتصالهم بالواقع يوميا وبأستمرار، لانهم محاطون بالانتهازيين والجهلة والقتلة. ومن منهم يعرف ان هناك شاعرا عراقيا اسمه (كاظم الحجاج) كتب ذات يوم:- أنا أتوضأ، دون صلاةٍ، وهذي شمائليْ أعف وأطهر ممن يصلي نهاراً، ويسرق في الليل خبز عيالي! أنا لا أصوم! أنا صائم منذ ستين عامْ! أجوع وآكلُ لكنني لا أبسمل عن لقمةٍ بالحرامْ! أنا لا أزكي! فمن أين ليْ؟ وحتى لحافي… قصير على أرجلي؟! ومع الأسف فان الاهم لدى ساستنا أن يسرقوا ويقتلوا ويصلوا نهارا … ويسرقوا ويقتلوا ليلا ونهارا !
المصدر: الجديدة