يقدم مسعود المبادرة تلو الأخرى ويعيد صياغة مبادراته السابقة ويوضب اللاحقة بمتابعة سيزيفية لا تكل ولا تمل، ويتظاهر محمد ولد عبد العزيز بعدم الاكتراث ولكنه يبقي على شعرة معاوية مع مسعود، فهو يلتقي معه في أمور جوهرية متعلقة بحراك الرحيل وتوقيت الانتخابات. عزيز يريد التهدئة وإخماد نار الاحتجاجات المتأججة في كل مكان، ومسعود بالنسبة له إطفائي سياسي مخضرم سفه دعوات الرحيل وأكد أهلية الرئيس البدنية يوم انقطعت أخباره في المستشفى الباريسي أيام اطويله، وهو الآن يوفر مسوغا لتمكين عزيز من مواصلة حملته لولاية ثانية بعيدا عن كل الشوشرة، ثم إن مسعود يحاول اللعب في منطقة التماس بين المعارضة الراديكالية والمعارضة المهرولة التي لم يعد لها تموقع محدد... وعندما تجف منابع الدعاية العزيزية ويدين الخارج التأجيل المتكرر للانتخابات في بلد يدعي الديمقراطية ويتململ الداخل يعود مسعود بمقترحات تبريرية جديدة لإنعاش فراغ المؤسسات ويستقدم متحزبي الموالاة كما لو كان هنالك جديد رغم أنه لا جديد ولا هم يحزنون. طبعا مسعود لا يعود خاوي الوفاض، فهو منح رئاسة برلمان لا يتوفر فيه الآن إلا على أربعة نواب، وهو منح مأموريتين برلمانيتين في مأمورية واحدة، ومنح المحفزات الجانبية لوضعيته المريحة التي لا يزعجه أن تستمر لبعض الوقت، ودخل التاريخ بوصفه ترأس برلمان بلاد المنكب البرزخي لأطول مأمورية متصلة في تاريخ الجمهورية رغم إرادة الشعب ورغم وضوح الدستور في مثل هذه القضايا. خلاصة القول أن عزيز ومسعود متفقان على أمرين جوهريين بالنسبة لهما، هما التهدئة وتأجيل الانتخابات، وهذا الاتفاق يخدم المصالح الخاصة والمشخصنة للرجلين، أما مصالح الشعب الموريتاني فلا مجال للبحث عنها في هذا النوع من الثنائيات القائمة على نقيضها.
هذه هي الحقيقة المرة، وهذا هو ملمح الإيجابية التي تحدث عنها اقطاب الموالاة خلال لقائهم الأخير بمسعود، وربما يسوقه مسعود خلال افتتاحه لجمعية وطنية منتهية الصلاحية لاحقا بطرق أكثر تسييسا، لكن المشكل أن عزيز ومسعود ومن دونهم من أقطاب الموالاة خدعوا بعض الموريتانيين وبعض الشركاء لبعض الوقت، ولكنهم لن يستطيعوا أن يخدعوا كل الموريتانيين وكل الشركاء كل الوقت.
اتهامي ولد خبوزي
الرأي المستنير