علمت مؤخرا، عبر الإعلام، أن الحكومة قد عينت لجنة بهدف إصلاح الإدارة الموريتانية، ونحن متفائلون بالنجاح لهذه اللجنة، طالما أن الاختلالات موجودة ومعروفة وتحتاج إلى العلاج الفعال في ضوء التطورات المالية المرتقبة، و ضرورة وجود إدارة لها من الآليات ما يمكنها من القيام بواجباتها الجسيمة.
لكن ما هو الإصلاح المنشود؟ هل هو مجرد ادخال تحسينات على تنظيم وسير عمل الإدارة الحالية؟ أم هو استحداث نمط جديدة من الإدارة؟ كالإدارة في البلدان الأنجلوسكسونيه؟
وحسب علمنا، فإن النمط الأخير صعب المنال، إذ يحتاج إلى دراسات من بيوت خبرة ماهرة، تنظم الورشات وتبني الحالات الإدارية، وتقوم توصيف الوظائف والنظم، وإلغاء ما منها غير ضروري.
ونحن في هذه الأسطر لا نطمح إلى أكثر من إبداء الرأي خلال نقاط قليلة يمكن عند الحاجة تفكيكها إلى محاور ومقاربات تساعد على تصور أفضل. وبالتالي فلن نتناول سوى بعض الجوانب من النظام الإداري الموريتاني، وخاصة ما نراه مناسبا لمؤسسة رئيس الجمهورية، ورئاسة الحكومة والقاطعات الوزارية، ثم الإدارة الإقليمية، الولاية على وجه الخصوص، وتوسيع رقعة الولايات ونشر سلطة الدولة على امتداد التراب الوطني.
وتجدر الإشارة إلى أن المجالس الإقليمية والبلديات وكل الوحدات المنتخبة ستكون خارج اهتمامنا في هذه العجالة.
إن لكلمة الإدارة معنيين أحدهما جامد (Static) والثاني ديناميكي. فبالمعنى الأول نعني النصوص والهياكل الإدارية، وبالثاني نعني التفاعل والحركية الدائمة لأجل تغطية حاجيات المرفق العمومي، وكل خلل في إحدى الحاليتين يؤثر حتما في الحالة الأخرى.
ومن المعلوم أننا مشغلون دائما بما نلاحظه أحيانا من اختلالات تلازم سير الإدارة عبر مراحل نموها المختلفة، وذلك لما لنا من علاقة بالموضوع كأستاذ سابق لمادة القانون العام، وخاصة القانون الإداري الملازم للإدارة في حاليها السكوني والديناميكي، ويحكم تصرفاتها تفاديا للشطط في استعمال السلطة، أولتضارب في الاختصاصات(انظر C.F) كتابنا (( القرار الإداري الوسيلة الأولى لعمل الحكومة)).
ولعله من البديهي للملاحظ والمتابع أن الإدارة الموريتانية قد عانت من الموروث المميز لمراحل تطورها: أعني المرحلة الاستعمارية وحالة البداوة المحكومة عسكريا بالنظام الاستعماري البعيد عن قيم وثقافة الشعب الموريتاني الذي قاوم بما هو متاح من خلال تضحيات الأمراء والعلماء والقادة التقليدين في المجمع عموما. ثم إدارة الاستقلال التي كانت إدارة مرتجلة حقيقة، يقودها قلة من الإداريين المدنيين إلى جانب بعض الأساتذة والمعلمين (الحاجة سيدة الاختيار).
هذا في طورها الأول. ويلاحظ في مرحلة ما بعد الاستقلال أن الأرشيف الإداري قد تعرض، كما يحكى، للتلاعب بمعنى أنه يتم سحبه من المكاتب إلى البيوت من أجل الاقتناء الشخصي؟!.
وبعد هذه الملاحظات المتعلقة بشيء من تاريخ الإدارة الموريتانية، فإننا نورد فيما يلي بعض النقاط التي نرى من خلالها أهمية إدخال بعض التغييرات الإيجابية على الجهاز الإداري مركزيا وإقليميا.
أولا: الإدارة المركزية:
ا ـ رئاسة الجمهورية:
إن مؤسسة رئيس الجمهورية هي قمة هرم السلطة، فهي القاطرة الكبرى التي تقود البلاد وتسهر على الوطن كافة. لذا ينبغي أن تعزز بالوسائل القانونية والبشرية المناسبة، وإن كان ذلك لا يمكن الوصول إلى بعضه إلا بعد تعديل الدستور. ونعني بذلك ضرورة التنصيص في الدستور على أن رئيس الجمهورية يستطيع أن يعين بمرسوم نائبا أو عدة نواب له، على أن يكون له الحق في إعفاء من شاء منهم بمرسوم كذلك (قاعدة توازي الأشكال Parallélisme des formes) نعني بذلك بأن من له سلطة التعيين له سلطة الإعفاء من المنصب. وبهذا التعديل على الدستور يصبح منصب رئيس الجمهورية في حالة استمرار واستقرار وانسجام، بدلا من اسناده إلى سلطات أخرى قضائية أو منتخبة عند حدوث فراغ، لا سمح الله، في المنصب بصورة عابرة أو دائمة.
ب ـ رئاسة الحكومة:
إنما ذكر أعلاه من الحاجة في نيابة لرئيس الجمهورية يصدق كذلك على رئاسة الحكومة.
ج ـ القطاعات الوزارية:
إن التطور الحاصل محليا ودوليا على أكثر من صعيد يتطلب وجود إدارة حكومية كفؤة تسهر على التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وتنشئ المشارع وتراقب وتتابع تنفيذها بوساطة سلطة متخصصة.
لذا ينبغي أن تخلق عدة أمانات عامة في كل قطاع وزاري:
ـ أمانة عامة مكلفة بالشؤون المالية والإدارية
ـ أمانة عامة لتصور ومتابعة وتنفيذ المشاريع التابعة للقطاع.
ـ أمانة عامة تتولى الإشراف على التطوير الإداري والابتكار التكنولوجي.
ثانيا: الإدارة الإقليمية: الولاية.
تعيش الولاية حاليا وضعا قد لا يناسبها كما نرى بالنظر لما تبقى لها من صلاحيات وإمكانيات.... وكأداة تمثل الجهاز التنفيذي للدولة فلا ينبغي لها أن تكون كذلك، فهي معنية حتما بأحوال السكان في الأمن والصحة والسلامة وحفظ النظام العام. كما أنها هي المعني الأول بتقريب الإدارة من المواطنين وتلبية مطالبهم طبقا لمبدئي المشروعية والمساواة. لذا ينبغي إعادة الاعتبار لها ومنحها المزيد من الصلاحيات والامكانات لتقوم بواجبها على الوجه الأكمل.
وفي هذا النطاق يمكن التفكير في إنشاء وحدات إدارية جديدة تسمى ولايات البادية بالإضافة إلى خلق منصب يسمى ممثل السلطة العمومية في كل عاصمة بلدية خارج المقاطعات والمراكز الإدارية.
الولايات الجديدة هي:
1ـ ولاية "اشكات" وعاصمتها "البير"
2ـ ولاية "اظهر" وعاصمتها "ولاته"
3ـ ولاية "الباطن" وعاصمتها "تيشيت"
4ـ ولاية "لبيار" وعاصمتها "بومديد"
5ـ ولاية "آفطوط" وعاصمتها "باركيول" أو "الغبره" أو "لعويسي"
أما ممثل السلطة العمومية الإقليمية فالمقصود به ملء الفراغات الكثيرة على امتداد التراب الوطني. على أنه من الضروري أن توفر للإدارة عموما من الامكانيات وأفراد القوة العمومية ما يناسبها. مع الحرص طبعا على الرقابتين القبلية والبعدية.
أما الصنوان "شنقيط" و"وادان" فلا يمكن لولاية "آدرار" الاستغناء عنهما ومع ذلك ينبغي إنصافهما ووضعهما في المكانة الإدارية اللائقة بهما.
إن إنشاء ولايات جديدة ووحدات إدارية تشمل بعض المدن التاريخية له غايات ومرامي وطنية عميقة، وعلى رأسها إنصافها ورد الجميل لها، لما حفظت لنا من مجد وتاريخ وكنوز علمية تعد لنا مفخرة وأصالة.
وقد يقول البعض إن حجم وعدد السكان لا يناسب حجم ولاية، إلا أننا نذكر الجميع بأن الأهم هو حضور إدارة الدولة وبسط سلطتها وسلطانها لتقيم مشاريع الزراعة والماء والصحة والتعليم... إلخ ولأجل تثبيت الناس في مواطنها الأصلية حتى لا يصاب أحدهم بالإحباط والملل فيرمي مفتاح ومزلاج البيت في أقر مكب للنفايات ويولي فارا من قساوة الظروف والمحيط ووحشة المكان. وأخيرا عفوا إذا كنا أطلنا ومعذرة إذا كنا قد قصرنا، فالخير أردنا والعلم كل العلم عند الله.
أ. اسماعيل إياهي ـ كيفه.