تابعت باهتمام شديد الندوة التي أقامتها الإذاعة الوطنية حول الصحافة والتي شارك فيها أغلب أهل الفن وأصحاب الخبرة. ولأن الموضوع يأتي في سياق الاحتفال بالعيد الدولي للصحافة ومن أجل ترشيد الحقل وتوطيد التجربة ـ أو كذلك يراد ـ فقد أدهشني التغييب ـ المتعمد أو الخطأ ـ لصحافة الداخل وهو ما يرجع ـ حسب تصوري ـ إلى كون صحافتنا الوطنية لا تزال تنظر بنفس العين التي يرى بها القائمون على الحكم والتي لا ترى من موريتانيا سوى بضع كيلومترات في انواكشوط , حيث يحرص الجميع على حصر التجربة الصحفية في مواقع ومؤسسات تزدحم بها ـ المدينة الإعلامية ـ وتعتمد في الغالب على سياسية القص واللصق تارة والسرقة المكشوفة في أحايين كثيرة.
إن صحافة الداخل وهي تعاني معاناة سكانه من ضيق ذات اليد وصعوبة التنقل وشح الوسائل وضغط لوبيات السياسية والتمييز في منح الإعلانات التجارية والسياسية وغياب التكوين و الدعم استطاعت أن تجد لنفسها مكانا متقدما في المشهد الإعلامي الوطني من خلال نقل المأساة والعيش مع الناس وحمل همومهم وآمالهم رغم الجحود والاستعلاء الذي تمارسة بعض المواقع ( المرموقة ) خصوصا في سرقة المادة الإخبارية دون أن تكلف نفسها عناء ـ ذكر المصدر ـ وكأن الموقع برمته عبارة من مراسل مجهول.
هل تعلمون أيها الإخوة أن الحصول على الخبر في كنكوصه ـ مثلا ـ يتطلب مشيا على الأقدام لساعات ووقوفا مثل ذلك أمام الإدارات ثم دفعا و تنقيصا, أما نشره فيكلف ما لا يقل عن 1000 أوقية نتيجة ضعف الشبكة ومحدودية الخدمة ومع ذلك يعتبره الآخرون كمتاع الخيمة "الخالية.
رغم ذلك كله لم نسمع من المتحدثين في الندوة من تكلم عن صحافة الداخل سوى من يروج لمنتج قد لا يجد المواطن في مثلث الفقر وموريتانيا الأعماق سبيلا إلى الوصول إليه أما التجارب الحقيقة التي يقف وراءها قابضون على الجمر فلم تستحق منكم حتى ـ الذكر. عليكم أيها ـ الأسياد ـ أن تقفوا وقفة مراجعة وأن تعلموا أن سماء الحرية لا يمكن لأحد أن يفرض عليه حصارا فلنتصالح ولنتصافى ولنعترف بالآخر ـ وإن على مضض ـ.