تسلم رئيس حركة "إيرا" بيرام ولد اعبيدي جائزة "فرونت لاين ديفندرز" مدافعي الجبهة الأمامية 2013، وذلك من طرف الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز، حيث ألقى خطابا خلال الحفل،وقد جاء في خطاب ولد اعبيدي:
السيد رئيس جمهورية إيرلندا،
السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة السفراء،
السيدات والسادة النواب المنتخبون،
السيدات والسادة ممثلو منظمات حقوق الانسان،
السيدات والسادة أعضاء وقيادة منظمة "مدافعي الجبهة الأمامية" (Front Line Defenders )،
إني لأتوجه إليكم اليوم، بادئ ذي بدء، لأشكركم على دعمي على مدى السنوات الأخيرة التي واجهت خلالها العداء الخطير لدوائر غير رحيمة داخل مجتمعي وداخل النظام السياسي والقضائي لبلدي؛ موريتانيا.
وإني لأشكر، في المُحَـصّـلة، لجنة التحكيم الأوربية والإيرلندية من "الجبهة الأمامية"، التي اختارتني من ضمن لائحة من 90 شخصا الأثمن في العالم من حيث التفاني والتضحية والإسهام في الدفاع عن حقوق الانسان وحمايتها.
أيها الجَـمْع الموقر، إن تفكيري في هذه اللحظة المهيبة يعود بي إلى آلاف النساء والرجال، المناضلين والمناصرين للمبادرة الانعتاقية والمنظمات الصديقة، وإلى رفاق الكفاح المخلصين الذين يُسْدون لي العون ويؤازرونني في المحنة القاسية لتسيير منظمة غير مرخصة ومُعَــرّضة لتوجيه أصابع الاتهام.. كما أن تفكيري يعود بي إلى لجنة السلام المكونة من عشرات الشباب الانعتاقي الذين قرروا الدفاع عني بأجسامهم وقلوبهم وأقلامهم، واضعين حريتهم وحياتهم على كف عفريت.. إن تفكيري ليعود بي أيضا إلى عقيلتي وأعضاء أسرتي الذين يتقاسمون معي، بكل إخلاص ورزانة، التفاصيل العسيرة لحياتي الكفاحية اليومية، ويناضلون إلى جانبي في الخط الأمامي.. دون أن أنسى النساء والأطفال الذين حررتهم المبادرة الانعتاقية من نير العبودية. إن ما تـَحَصّـلوا عليه من بهجة، وما اكتشفوا من طعم حياة بدون أسياد، يغمرني براحة البال وبمرضاة داخلية.. كذلك فإن أفكاري تعود بي، في المختم، إلى أصدقاء الظل بمن فيه من هم داخل نظام الهيمنة من الذين يخونونه، كل يوم، ليطلعوننا على أمر ما، أو يحذروننا من آخر، أو يُسَرّبون لنا ثغرات المستبد. فبدون مساعيهم الثمينة والسرية كان من شأن الجهود أن تظل أعْـوَصَ بكثير.
أريد أيضا أن أكرر تضامني مع الجيران التعساء في السجن المدني بانواكشوط، ضحايا الظلم، مثل جبريل آموس والشيخ ولد مولود الذيْن يشكلان الحلقة الضعيفة (زنجي وحرطاني) والمسجونيْن كبشَ فداء لـ"مكافحة الفساد".
وإني أنقل من خلال هذه المنصة كل إحساسي العاطفي، كمؤمن ومدافع عن حقوق الإنسان، تجاه زوجات وأطفال وأمهات الـ 14 جهاديا موريتانيا المحكوم عليهم بالإعدام وبأحكام أخرى. هذه الأسر تجد نفسها ممنوعة من الزيارة، ويخضع أقاربها للحبس داخل سجون معزولة وهو ما يشكل اتهاكا لحقوق السجناء.
كما أذكـِّـر، فضلا عما سبق، بالتزامي الذي لا يتزعزع لصالح الأرامل واليتامى الذين فقدوا الكثير من الأهل خلال محاولة الإبادة العرقية التي ألـْــبَسَتْ الزنوجَ ثوبَ الحداد في بلدي ما بين 1986 و1992.. أتذكر في هذا المقام كل الأسر الزنجية التي عانت بسبب الاحتقار أو مصادرة الأراضي و/ أو المنفى.
أصدقائي الأعزاء، إن الكفاح من أجل معاقبة واستئصال جريمة العبودية يوجد في لب انشغالات ونشاطات المبادرة الانعتاقية في الجمهورية الاسلامية الموريتانية.
أن تمتلك شخصا، أن تبيعه، أن تهبه، أن ترهنه، أن تتنازل عنه لآخر، أن تعرضه للعنف والاستغلال الجنسي والأعمال الشاقة والخطيرة أو المهينة وغير المعوضة، أن تمنعه من التعليم والزواج والسفر، أن تطبّق فيه عقوبات جسدية وعمليات بتر، ذلك هو الرق الذي ظل ممارسة قانونية في موريتانيا حتى سنة 1981. ففي هذا التاريخ صادقت طغمة عسكرية، استولت على الحكم بالسلاح وساسَتْ البلد بالبيانات، على قرار بإلغاء الرق دون أن تنزع عنه شرعيته أو قداسته.
ومن المفارقات بمكان أن المادة 2 من القرار المصادق عليه تأمر بـ"التعويض المادي للذين سيفترقون مع عبيدهم الذين يعتبرون أموالا بصفة ضمنية في هذا القرار".!!!
وبما أن مرسوم تطبيق القانون لم ير النور، فقد ظلت ممارسات الرق وعلاقات الأسياد بالعبيد سارية.
وفي سنة 2007، وأمام حركية المنظمات المناهضة للرق، سنـّـت الدولة الموريتانية، التي تهيمن عليها وتقودها منذ الأزل فسيفساء قبلية أسَّست نمط حياتها وميثاق شرفها ومعيار قيمتها على العبودية، قانونا رفعت فيه الرق إلى مرتبة جريمة يعاقــَــبُ عليها بالسجن من 5 إلى 10 سنوات.
لكن الدولة، للأسف وياللمفارقة، تضع هي نفسها التصور وترعى وتمول مقاومة تطبيق القانون.
وتتكون الكتيبة المخصصة لتخريب القانون من الحكام والولاة والقضاة وضباط الشرطة القضائية. أما الوزراء ورؤساء الدولة، وطبعا عشرات المنظمات غير الحكومية التي يقودها أعضاء في النظام أو متملقون له أو للمجموعات المهيمنة، فمهمتهم تدبير إنكار الظاهرة أو جعلها نسبية بحديثهم عن "الآثار".
زيادة على كل هذه الأسلاك والزمالات، فإن زعماء القبائل والعلماء والمنتخبين والطبقة السياسية والنخبة المثقفة، تساهم، في غالبيتها، في الحيلولة دون تطبيق القانون المجرم للرق. ويمر إنتاج الإنكار الجاثم بالوشاية داخل البلد وشهادة الزور في الإعلام والمنتديات الدولية.
لهذا السبب فإن الوزارة المكلفة بحقوق الانسان في بلدي، واللجنة الوطنية لحقوق الانسان، وأكثر من 99% من المنظمات الحقوقية، مجرد أوكار يعشش فيها المخبرون والمزيـِّـفون والمزوِّرون من الرهط المعين للشرطة السياسية.
أيها الجمع الموقر، أجدني مرغما على ذكر السعي المحابي الذي تسلكه الدولة والمجموعات الموريتانية المهيمنة بغية الازدراء بالقانون الدولي والتلاعب بالهيئات والشركاء الدوليين. لا شك أن موريتانيا لم تزل تسن جملة قوانين عصرية ضد العبودية، ولم تزل تصادق على معاهدات دولية في مجال ترقية وحماية حقوق الانسان.
لكنها، بموازاة مع ذلك، وبتكتم شديد، تواصل احتضان المراجع القديمة المستخلصة من التأويلات الاسترقاقية. تلك النصوص تنتج، بالأساس وصراحة، اللامساواة المؤسسة على العرق و المولد.. مثل تلك النصوص تقسّم المسلمين إلى صنفين: أسياد وعبيد.
وهي تنص على أن العبد مال لسيده، وأن المالك يمكنه أن يبيع عبده أو يتخلى عنه لشخص آخر أو يهبه. وهكذا يحق للسيد أن يستغل القوة البدنية لعبده دون أي تعويض، كما يمكنه استغلال أجساد النساء اللائي يملكهن دون مرضاتهن ودونما نظر إلى سنهن أو عددهن بدواعي زيادة في النسل جديرة بأن تـُـعَدَّ في مصاف فلسفة العنصري آرتير غوبينو وطروحات النازيين.
كما تنص هذه الكتب على أن السيد يملك الحق في إخصاء عبده إذا كان جمالـُـه قابلا لتهييج شهوة النساء النبيلات، ويمكن للسيد أيضا أن يبيع جزءًا من عبده والإبقاء على جزء آخر، أي أنه بإمكانه بيع عبدة لشخص مّا مستثنيا فرجها. ووفقا لذلك يستغل المشتري عضلات العبدة فيما يواصل البائع التمتع جنسيا بها.
هذا الوصف – غير الحصري- للمنظومة المقونـِـنة للاسترقاق والمعمول بها والمُدَرّسة حتى الآن في كثير من مدارس القانون والشريعة، يوجد مدونا في الكتب التي أحرقتها إيرا رمزيا يوم 27 ابريل 2012 في حي الرياض بالعاصمة نواكشوط.
وإن الدولة والعلماء والأحزاب السياسية الموريتانية لتعتبر تلك الكتب مقدسة ومعصومة رغم تناقضها الكبير والجلي مع جوهر المساواة والتحرر وجوهر الانسانية في الاسلام الأصلي. وتعطي الدولة الموريتانية لهذه النصوص الشائنة مرتبة فوق المعاهدات والمواثيق الدولية. هذه المؤلفات، التي تـَـقَدَّمَ وصفـُـها، هي أساس تكوين القضاة وضباط الشرطة القضائية والإداريين السامين والأئمة والعلماء.
وفي هذه الصحائف الفظة تضع موريتانيا جوهر تشريعها، كالقوانين الجنائية والأحوال الشخصية.
سيداتي وسادتي، هذه الكتب، التي تعتبر مصدر شقائنا بوصفنا أناسا خاضعين للخدمة القسرية (حراطين) والتي تعتبر حاملَ دعاية مريرة و زائفة ضد دين المسلمين، تمثل عقيدة الدولة وأهم مصدر للقانون في بلدي. إنها مسؤولة عن ضبط حياة الناس من خلال الإرادة الأوحد لأقلية تسيطر وتؤسس استمراريتها على ضرورة بقاء الرق. إنها تجد في مفردات أدب الجريمة ضمانا وتحفيزا على سوء استخدام السلطة الذي يعاد إنتاجه منذ قرون.
إن النفاق يبلغ أوجَهُ في المنتديات ولدى الهيئات الدولية حين تتبجح موريتانيا بتحطيمها الرقم القياسي في المصادقة على المواثيق والمعاهدات، بينما نجدها، في داخل البلاد، تستحضر قدسية القوانين التقليدية، وبالتالي عُـلـُـوّ مرتبتها بالنسبة للقوانين الدولية.
السادة الأصدقاء، إننا نحتاج إليكم من أجل:
1- حمْـل موريتانيا على التخلي عن خطها السياسي والدبلوماسي المتمثل في إنكارها للعبودية، وذلك من خلال اعترافها بوجود الممارسات الهائلة ومتعددة الأشكال للعبودية ضد الحراطين،
2- دفع موريتانيا إلى القطيعة مع النفاق، وجعل قوانينها الوطنية متماشية، ليس فحسب مع التزاماتها الدولية التي صادقت عليها بكل سياديـّـة، لكن أيضا مع زعمها بأنها جمهورية إسلامية، وذلك بانصياعها لتعاليم المساواة والعدالة والانسانية التي بشـّـر بها الإسلام النقي.
3- إلغاء تدريس العبودية والدعاية لها، بالإضافة إلى باقي أشكال اللامساواة المتضمنة في الكتب المذكورة والمنطومة الشبيهة السحيقة التي لم يعد يحيطها بهالة من الحصانة والعُصمة غير بلدنا". وقد جاء في بيان لحركة "إيرا" حول الموضوع: "المناضل ضد الرق من موريتانيا، بيرام الداه عبيد، يستلم من الرئيس الأيرلندي جائزة فرونت لاين ديفندرز لعام 2013 للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون الأخطار.
في يوم الجمعة الثالث من مايو/اذار، قدم الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز جائزة فرونت لاين ديفندرز لعام 2013 للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون الأخطار، إلى المناضل المناهض لسياسة الرق الناشط بيرام داه اعبيدي من موريتانيا، مؤسس ومدير (مبادرة عودة ظهور حركة إلغاء الرق IRA).
وقد تم اختيار بيرام داه اعبيدي من بين 100 مرشح من 40 دولة، تقديرا لشجاعته الاستثنائية في الدفاع عن حقوق أكثر من 500,000 إنسان محتجزون كعبيد في موريتانيا.
أثناء حديثها في حفل تسليم هذه الجائزة، قالت المديرة التنفيذية لفرونت لاين ديفندرز ماري لولر: "من المناسب جدا أن نقوم بتقدير عمل بيرام داه اعبيدي لإنهاء الرق في موريتانيا في هذه الغرفة التي يهيمن عليها تمثال دانيال أوكونيل، ذلك المحرر والرجل الذي عمل لإنهاء النسخة الايرلندية من العبودية بإنهاء قوانين العقوبات والتحرر الكاثوليكي. إن بيرام داه اعبيدي اليوم يسير على تلك الخطى البطولية".
وعلى الرغم من الإلغاء القانوني للعبودية في موريتانيا ورفض الحكومة الاعتراف بوجودها، لا تزال العبودية متوطنة في موريتانيا، وتمثل بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 20% من السكان. ويتم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يجهرون ويتحدون هذه الممارسات من قبل أولئك الذين يرفضون قبول التغيير.
تعرض بيرام داه اعبيدي للتهديد والتشهير والمضايقات بسبب نشاطه في الدفاع عن حقوق الإنسان ومناهضة العبودية في موريتانيا.
وتم القبض عليه وأُسيئت معاملتة في مناسبات عدة، وفي ابريل/نيسان 2012 "اختفى" لعدة أسابيع حيث كان مغيبا في منشأة حكومية عالية السريّة دون أن يتمكن من الاتصال بأسرته ودون أي مساعدة قانونية.
إن (مبادرة عودة ظهور حركة إلغاء الرق IRA) في موريتانيا وغيرها من المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد يعتقدون بأنه كان سيُقتل لولا الخشية من الانتقادات الدولية.
فأفرج عنه في سبتمبر/أيلول 2012 وها هو لازال مستمرا في عمله داخل موريتانيا.
وعلى الرغم من المضايقات والتهديد بالاعتقال، إلا أن بيرام داه اعبيدي قد أقسم على مواصلة النضال حتى يتم القضاء على العبودية في موريتانيا أخيرا.
جائزة فرونت لاين ديفندرز للمدافعين عن حقوق الإنسان الذي يواجهون الأخطار، تُسَلَّم سنويا إلى مدافع واحد (أو مدافعة) عن حقوق الإنسان يكون قد ساهم مساهمة استثنائية في قضية حقوق الإنسان في بلاده/بلادها. ويتم اختياره من قبل لجنة تحكيم تتألف من أعضاء في البرلمانات الأيرلندية والأوروبية".