كل من يكتبون عن القضايا الاجتماعية والسياسية نجدهم يتهجمون على القبيلة ويصفونها بأبشع الأوصاف، لأنها حسب رأيهم هي العائق أمام التحرر ووعي الشعوب، ولكن النظرة المنصفة تقتضي أن نكون على وعي تام وإدراك لهذه المسألة، فالحكم على الشيء، كما يقول المناطقة، فرع عن تصوره.
إن القبيلة رابطة اجتماعية تنضوي تحتها مجموعة من الأفراد، يقومون بمصالحهم العامة عن طريق التعاون، وهي عادة سنها العرب قديما ولما جاء الإسلام لم يتملص منها تماما وإنما جعلها منضبطة بضوابطه، وقد تجلى ذلك في التشريعات الإسلامية التي تأخذ في الحسبان نظام القبيلة، مثل: الديات وما يتعلق بها؛ إذ نجد نصوص الشريعة واضحة في هذا المجال، وفي الآيات القرآنية نجد ذكر القبيلة باعتبارها من أسمى الروابط الاجتماعية، "يأيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم".
ولكن الذي يفسد على من يتصدون للكتابة عن هذه الموضوعات، هو أنهم لا يتفهمون طرق نظام الحكم في المجتمعات، إذ يخلطون بين مفهوم الدولة ومفهوم القبيلة، إذ الدولة بالمفهوم المعاصر نظام أعم وأشمل من نظام القبيلة، ويقع الخلل حينما تحاكم الدولة بمعيار القبيلة، أو العكس،،، ولكن الفهم الدقيق لكل من المفهومين سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى تنزيل كل منهما منزلتها... والمتتبع لمنظومتنا الاجتماعية والقيمية في هذا المنكب البرزخي يجد أنها تنبني في أكثر أسسها على القيم القبلية، وأعتقد أنها ليست بدعا في ذلك فجميع الدول العربية ما زال نظام القبيلة متجذرا فيها بشكل كبير، تجلى ذلك في ممارساتها لآليات الحكم وأساليبه... ولسنا هنا بوارد الحكم على مدى نجاعة التمسك بهذه المنظومة، وإنما نترك ذلك للتاريخ، فهو وحده الكفيل بالحكم على التجارب الإنسانية أيا كان نوعها، فحسبنا أن نؤكد على أن النظم أيا كان نوعها لا بد أن تتكئ، في المقام الأول، على ركن عتيد من أركان القيم الدينية والثقافية للمجتمعات التي تتكون فيها.