بسم الله الرحمن الرحيم
فاكهة للموائد من سيرة ومناقب الوالد
أود في هذه الورقة القصيرة أن أعرف بأبي وشيخي محمد محمود بن عبد الرحمن بن الطالب أحمد الملقب "بيده" بن عبد الله الملقب " الداهي" بن محمود بن طوير الجنة، وقد سميت هذه الورقة على غرار تسميات بعض شيوخ السلف، سميتها بـــ"فاكهةللموائد من سيرة ومناقب الوالد" وسوف أبدأها بتحديد مولده وتنشئته وبذكر والده ووالدته وأبنائه وبناته وزوجته أم أبنائه عليها وعليه رحمة الله.
مولده ووفاته:
لقد ولد المغفور له بإن الله حسب ما نعتقد بين عامي 1931م/ 1932م في البوادي الواقعة شرق مدينة كيفه، إلى الجنوب من مدينة تامشكط، حيث كانت تلك البقاع مضارب قومه، إذ ولد لأب مشهورهو العلامة الألمعي اللوذعي العابد التقي الصادق القوي في الحقالزاهد في الدنيا وفي الرزق، القاضي العادل،عبد الرحمن بن الطالب أحمد بن عبد الله الملقب الداهي بن محمود بن طوير الجنة، وأمه خادمة الله بنت محمد محمود بن محمد بن عبد القادر الجيلاني بن عبد الله الملقب النهاه بن المرابط سيدي محمود، وقد توفي محمد محمود رحمه الله مساء الثلاثاء 12 /07/20022م ودفن بعد صلاة المغرب في مقبرة الرياض قرب أم أولاده وبنتيه مريم بنت محمد عبد الله بن أحمد بن حمد بن عابدين سيدي، وكان قد صلى عليه جمع غفيرمن الناس، فيه كثير من الفضلاء، يؤمهم الإمام الشهير شغالي بن المصطف بن حمادي بن اعلي المسومي.
محيطه الثقافي والاجتماعي
لقد نشأ في كنف والده عبد الرحمن بن الداهيالذي اشتهر في جهته وقومه بلقب عالم الرقيبةلغزارة علمه وقوة شخصيتهفي الحق والعدل، كما اشتهر بكونه لاتأخذهفي الحق لومة لائم،حتى ضرب به المثل،وقد ذاع صيته وارتفع ذكره،عندما رفض توليقضاء المخزن في جهته ولدى محلة أهله "أهل سيدي محمود،" إذ يذكر أنه كان قد طلبهحاكم (سركل) كيفةآنئذوباقتراح من رئيس قبيلته الشيخ محمد محمود بن سيدي المختار بن محمد محمود بن عبد الله الملقب النهاه بن المرابط سيدي محمود عليهم جميعا رحمة الله،وبتوصية بعث بها إلى محمد محمود المذكور العلامة الشيخ سيديا بابا بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا الكبير،وهو يومئذ الحاكم الفعلي المدني لإقليم موريتانياكله،ولكن عبد الرحمن أصر على رفض تولي خطة القضاء الرسمي أوالمخزني، فسجن مرتينعقابا لرفضه، فما زاده السجن إلا إصرار على إصرارإلى أن أطلق سراحه، وأطلقت يده في القضاء الأهلي،بل زيادة على ذلك أصدر حاكم سرك كيفة أمرا إلى قضاة المخزن في كل أنحاء الجهة أن يعتمدوا ما يصلهم من أحكامه، وقد كان عبد الرحمن من أكثر علماء المنطقة طلبة في مختلف فروع المعرفة بدء بالتوحيد وبالعقائد مرورا بعلوم القرآن،ثم علوم الحديث الشريف ومدوناته، من خلال شروح صحيح البخاري لابن رجب "فتح الباري"وللعسقلاني "فتح الباري"والقسطلاني"إرشاد القاري" والفقه من خلال متن المختصر وشروحه، ومتن الرسالة وشروحها، والمدونة والتعاليق عليها،ثم تدرساللغة بنحوها وصرفها ومعجمها ولغتها، فيدرس النحو من خلال "منظومة ابن آجروم"، و"ألفية ابن مالك مع تسهيله"،و"مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابنهشام،ومن خلال الكتاب الأم "الكتاب" لإمام سيبويه،وغير ذلك من كتب النحو ككتب ابن جني لمن أراد التعمق في الدرس النحوي، ويدرس الصرف من خلال "لامية ابن مالك"، و"التصريف"لابن عصفور الأندلسي، و تدرس اللغة من خلال "المقصور والممدود لابن مالك"، ومن خلال "مقصورة بن دريد"،ومن خلال القواميس والمعاجم المشهورة ككتاب "العين للخليل"و"المخصص لابن سيدة" و"القاموس المحيط للفيروز آبادي"، و"لسان العرب لابن منظور" و"تاج العروس للزَّبيدي«،كماتدرس البلاغةبفروعها ثلاثة:"البيان، والمعاني، والبديع" من خلال كتابي الشيخ عبد القادر الجرجاني " إعجاز القرآن، وأسرار البلاغة"،ومن خلال "مفتاح العلوم" للسكاكي،ويدرس المنطق من خلال "السلم" و"كبرى السنوسي وصغراه"، وتدرس السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من خلال"سيرة ابن هشام"، وتاريخ ابن كثير والطبري، وفي هذا المضمار يقول عن هذه المحظرة محمد بن محمد المختار الشنقيطي مستعرضا نوادر وشواهد من قوة حافظة طلاب المحظرة التنقيطية في مقال له بعنوان (لما ذا الشنقيطيون يحفظون) منشورعلى الشبكة العنكبوتية: "فمن ذلك ما حدثني به والدي حفظه الله قال لي: يا بني لقد كنا أيام طلبنا للفقه عند شيخنا الفقيه عبد الرحمن ولد الداهي، نتسابق في ختم المختصر ليالي الجمع فيستفتح من ( يقول الفقير المضطر) بداية الكتاب فلا يطلع الفجر إلا وقد ختمناه لا نشكك إلا في مواطن قليلة في أقفاف [11] السفر نكرر ذكر ذلك مرات،".
تنشئته الاجتماعية والعلمية
في هذه البيئة العلمية المتميزة ولد وترعرع وتربى ونشأ فقيدنا محمد محمود بن عبد الرحمن بن الداهي،وقد فيها درس أول ما درس بعد الانتهاء من مرحلة تهجية الحروف وتحفظ قصار السور،نص القرآن حيث كلف والده شيخ المحظرة عبد الرحمن بن الداهي بعض تلاميذه بتلك المهمة،نذكر من هؤلاء التلاميذ تمثيلا لا حصرا"شيخنا بن ناجم"، و"أحمد جدو بن أبِّيه،"المتوفى بعد أن عمر طويلا سنة 2003م،وقد ختم القرآن مع إتقان الرسم والضبط من خلال ما يعرف في المحاظر بحملة الطالب عبد الله الجكني،على يدي التنواجيويين "سيداتي بن محمد" وابن عمه"الداهبن محمد"،وكان قد يدرس معهفي تلك المحظرة بعض أقرانه من ذويه،فقرأوا معه على نفس أشياخه،وكانوا مجموعة من بينها ابنا عمته العالمة الشهيرة عائشة بن الداهي أخت العلامة عبد الرحمنعلىالجميع رحة الله، وابناها و هما: القارئ المتقن للقراءات، المتفنن في الرسم والشعر والنحو المشارك في الفقه سميخاله، عبد الرحمن بن محمد بن السالك بن الصيام، وشقيقه العالم النحريرالإمام الشهير محمد محمود بن محمد بن السالك بن الصيام، ومن بين زملائه كذلك ابن عمه العالم الحافظ النحوي البلاغي المنطقي الفقيه محمد بن عبد القادر بن الداهي-حفظه الله-و ابن عمه الحسن بن محمد بن الداهي رحمه الله،وكان عالما فقيها فرضيا مارس التدريس والقضاء في ليبيا وفي الإمارات، ومنهممحمد محمود بن أحمد سالم بن بوفره اليعقوبي الحاجي الملقب "حموني" هذه الكوكبة من العلماء الأجلاء ومن الأتقياء الأصفياء كانوا رفقة فقيدنا الْمُعَرَّفُ به محمد محمود بن الداهي في محظرة والده العلامة عبد الرحمن بن الداهي، وقد أسند عبد الرحمن تحفيظ القرآن وعلومه إلى الجماعة التي سبق ذكرها، وكلها من قبيلة تنواجيو، ولن يفوتنا أن نذكر أنه قد تزوج وأنجب أربعة أولاد وابنتين، فالأولاد هم:عبد الرحمن ومحمد المهدي ومحمد، ومحمد عبد الله،أما البنتان فهما فاطمة السالمة أطال الله عمرها وعائشة ماتت صغيرة لم تكمل شهرها السادس.
مراحل التحصيل العلميبعد تحفيظ القرآن
ولما مات عبد الرحمن انتقل والديمحمد محمودبن الداهي،رحمه الله،إلى أبرز شيوخ القرآن في منطقته،فبدأ بالشيخ محمد المصطفى بن سيدي يحيى، وهو من المتقنين للقرآن المنسوبين للصلاح والتصوف، مسومي القبيلة،من فخذ أهل عيسى بوبه، ومن محظرة الشيخ محمد المصطفى انتقل محمد محمود إلى محظرة شيخه في القراءات محمد بن الحسن من أهل سيدي محمود كان رحمه الله سيد تدريس القرآن وعلومه في جهته،فبقي عنده ثلاثة أعوام وأشهرا وأجازه في علوم القرآن، وفي نصه تلاوة وحفظا وتجويدا ورسما، وفي مقرأ الإمام نافع بروايتي ورش وقالون، ثم رجع إلى أهله ليستقر خلفا لوالده في رعاية والدته وأختيه وجيران والده،ولكن علو همته وحب والدته أن يدرك مكانة أبيه لم يتركاه يستقر فشد الرحال إلىآفطوطموطن أشياخ المعرفة والعلم في تلك الفترة، فيمم وجهه تلقاء محظرة العلامة الشهيرالمرابط اباه بن محمد الأمين، اللمتونيالأشفغي،حيث مكث فيها عامين انتقلبعدهاإلى محظرة العلامة الزاهد أعمر بن محم بوب الجكنيالﮝلالي الأحمدي،ولم يطل المكث عنده فاكتفى بقراءة بعض متون النحو، ثم يمم شطر وجهه إلى حيث شيخه في الفقه واللغة والمنطق العلامة محمد محمود بن أحد بن الهادي اللمتونيالتمدكي الذي أقام عنده رفقة ابن عمته وابن عمهوقرنه محمد محمود بن محمد بن السالك بن الصيام مدة طويلة تجاوزت خمس سنين، وأجازه في كل علومه ومروياته ونصبه مدرسا وإماما إلى انتقل عنه..
مرحلة العطاء والتدريس
وما أن رجع إلى أهله حتى بدأت أفواج طلبة العلم تفد عليه من كل حدب وصوب من مختلف الجهات ومن عديد المجتمعات،خاصة من تلك المتساكنة في المناطق المتاخمة للرقيبة من دبوساتومسومةوالأقلال، ومن قومه وعشيرته. "أهل سيدي محمود"، فمن أبرز تلاميذه من أهل سيدي محمود الفقيه المقرئ الشهير الذي بث القرآن في المناطق الجنوبية لمقاطعة كيفة المغفور له بإذن الله سيدي محمود بن محمد الأمين بن عبد القادر بن الصيام، ومن دوبساتالفقيه الزاهد في الدنيا الورع المنزوي-أطال الله عمره-شامخ بن إبراهيم البوصادي، ومن ألمع تلاميذه من أهل سيدي محمود الدكتورعبد الله السالك بن سيدي محمود بن أحمدو الحاجي السعودي مسكنا أستاذالكيمياء الحيويةبجامعةحايل بالسعودية، ومنهمالفقيه الزاهد ساليمو بن محمد الأمين بن التقي بن طوير الجنة عليه رحمة الله، حيث لازمه أكثر حياته إلى أن مات ولما يتجاوز الأربعين من العمر، ومنهم كذلك ابن عمه محمد المختار بن محمد محمود بن التقي بن طوير الجنة الملقب "عنِّي" عليه رحمة الله،ومنهم المغفور له محمد عبد الله بن الفقيه الشاعر شيخنا بن محمد سالك بن ابابا،وممن قرأ عليه من ذوي القربى المغفور له محمد محمود بن الداه بن امبحمدان، ومنهم المقرئ الشهير شيخ محظرة القرآن في لميسخ ببلدية الملﮝة سيدي محمد بن سيدي بن حمودي، أطال الله عمره، ومنهم حافظ القرآن الماهر فيه محمد الأمين بن بيبه الجكنيالﮝلالي الأحمدي، وممن قرأ عليه من مسومة ابن شيخه الأستاذيربه بن الشيخ المصطفى بن سيدي يحيىالمسومي، وقد قرأ عليه منظومة ابن آجروم، وقرأ عليه منهم كذلك المرحوم سيدي بن محمديالمسومي،من أهل "شبا"،وقد جاءنا عليه رحمة الله حافظا قارئا متقنا، وقرأ عليه الفقه من خلال نص المختصر، وقد عهد إليه بتحفيظي القرآن مع ابن عمتي رجل الأعمال الشهير حدمين بن محمد أحمد بن عبد الرحمن ابن أخت الفقيد، وقرأ عليه من البوصاديين خلق كثيرمنإدغموهم و من أهل سﮝال ومن أهل الطالب مصطف، ومن أهل الطالب الحبيب، ومن أهل صالح،فمن إدغموهمنذكر أبناء أسرة أهل الحسن،وهم المصطفى،والحسن ومحمد الأمين، ومحمد، ومن أهل صالح نذكر محمد الأمين بن عبد الله حفظه الله، ومحمد الأمين بن محمود، عليه رحمة الله، ومن أهل سﮝال خلق كثير جاءوا على مرحلتين، في المرحلة الأولى لأني حينها كنت صغيرا لم تمكن من الاحتفاظ بأسماء أولئك التلاميذ، و المرحلة الأخرى كانت بعد أن كبرتُ وذهبت للدراسة في الخارج،وأتذكر من ضمن تلاميذهامحمد المختار بن الدِّي أطال الله عمره، ومن أهل الطالب الحبيب أتذكر محمد عبد الله بن ﮜيﮝعليه رحمة الله، ومن إدغمنمس أتذكر المغفور له محمد الأمين بن جدم، كما قرأ عليه من أهله أبناء أهل عيسى، وأهل اعليات والشيخ بن محمد محمود بن اسويدات وبابا بن وني وقرأ عليه أبناؤه ومن بينهم بكره وسمي أبيه عبد الرحمن المتقن للقرآن وعلومه الضارب بسهم في الحديث حفظا وتخريجا وتصحيحا، والمشارك في الفقه والنحو، والعبد الضعيف محمد المهدي حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، ومحمد درس عليه القرآن وفرائض العين وتفرغ للتجارة وهو اليوم رجل أعمال كثير الصدقة محب للخير، ومحمد عبد الله درس القرآن وحفظه وبعض علومه ودرس بعض الفقه، ويعمل الآن منميا، وفاطمة السالمة وهي من المهتمين بالقرآن وتجويده ومعرفة أحكام قراءته وتحفظ منه كثيرا، وهي داعية.نشطة
مناقبه وعدله وورعه في القضاء
وجدير بالذكر أن المغفور له قد مارس القضاء الأهلي إلى جانب التعليم في المحظرة، وقد اشتهر كوالده بالصرامة والقوة في الحق والعدل بين المتخاصمين، مع أنه كان سمحا لينا مع العامة والعمال والتلاميذ، محب للمساكين، عطوف على الضعفاء، ومن أبرز ما ميزه عن بقية علماء عصره وأقران دهره أنه رفض سلك الوظيفة، فلم يقبل الانخراط في سلك القضاء، ولا في سلك التعليم، على الرغم من سهولة الانخراط فيهما لمن دونه علما، وعلى الرغم من إلحاح الكثيرين عليه في الشأن، نذكر منهم ابن عمته العلامة المصطفى بن ابوه بن سيدي أحمد، تلميذ والده والذي انخرط في سلك التدريس في المملكة العربية السعودية، حيث كان يقيم رحمه الله،فقد طلب منه بكثير من الإلحاح الانخراط في الوظيفة فقد حدثنا الفقيد مرارا أنه إثر إعلان استقلال موريتانيا أرسل إليه رسالة يقول له فيها: "يا ابن خالي وابن شيخي الغالي محمد محمود بن عبد الرحمن بن الداهي: لاتدع شبابك وعلمك يذهبان هملا واتصل بالدولة الوليدة وكن أحد أركانها تفيد وتستفيد". يقول رحمه الله فحرقت الرسالة ورفضت الاقتراح شاكرا صاحبه، كما أن محمد محمود عليه رحمة الله لم يمارس التجارة إلا مدة يسيرة لا تتجاوز سنتين تفرغ بعدها للتدريس وممارسة الحرث والتنمية بيده،ولأنه كان بطبيعته بسيطا متواضعا،كان دأبه العمل بيده في حرثهوفي سقي المواشي وحلبها، على الرغم من أن عدد تلاميذه كثيرا ما كان يتجاوز المائة،ومن تواضعه وبساطته أنه نادرا ما يدرس تلاميذه في مسكنه، بل كان يذهب إليهم في "أحواشهم" ليدرسهم هناك ويبقى معهم إلى أن ينتهي من الدرس آخرهم.
أما عدله بين المتقاضين فأشهر من نارعلى علم،ففي ذاكرتي بعض العينات من أقضياته التي تدل على عدله، ومنها أن امرأة من خاصته ومن قومه تدعى العورة بنت لشﮝرعليهارحمةالله، و كانت ثرية شهيرة في جهتها، وكانت تغدق عليه العطايا والهبات تكرما وحبا وتبركا،ومرة جاءته في إحدى زياراتها ببقرة حلوب ترضها عجلتها، وخاطبته قائلة: "طالبن هذه "أربعتي"وكناحينئذ في وقت الضحى نكرر ألواحنا،وباتت معنا، وفي الغد ذهبت لسبيلها، وبعد أشهر تخاصمت مع سبطها،بن بنتها محمد الأمين بن سيدي يحيى، أطال الله عمره، فطالبته بالتقاضي فأشار عليها بالذهاب معه إلى محمد محمود بن الداهي فقبلت، وجاءا إلينا وقت القيلولة قبل صلاة الظهرفي موطننا الحالي "احمده"،وأصرت على أن تنعقد جلسة التقاضي قبل صلاة الظهر ولكن القاضي محمد محمود بن الداهي امتنع، وكان قد استقبلها بحفاوة وترحاب، فلما صلى الظهر وعاد من المصلى إلى الخيمة نادى عليها هي وسبطها وأجلسهما على حصير أخفض من سريره " الخبطة"، ثم بدأ يسأل كلا هما عن حجته وتبين له بعد التدقيق في الحجتين وبعد طلب البينة من المدعي " محمد الأمين بن سيدي يحيى وكانت البينة عبارة عن تمليك كتبه الفقيه محمد محمود بن الداهي بنفسه بطلب من المعنية فاستظهر به المدعى، فبان للقاضي أن الحق للسبط فحكم له، فقامت العورة عليها رحمة الله مسرعة وذهبت إلى حيث وسط خيام الحي ونادت بأعلى صوتها "يا افريﮝأهل الداهي"اسمعوا وعوا" محمد محمود بن الداهي يُغَلِّبُ علي سبطي، حتى ظنها البعض غاضبة منه فما كان منها إلا أن التفتت إلى من حولها وقالت، وهي تزغرد وتنشد مديحه بصوت عال: "هذا شيخي وابن شيخي" به فخري،ثم تقول لمن تجمعوا حولها هذا هو العدل والقوة في العدل، لقد أهديت شيخي محمد محمود بقرة حلوبا بعجلتها قبل أشهر، فلما جئته الآن متقاضية أترافع عليه مع سبطيالذي ادعى أنني ملكته بعض غنمي غَلَّبَهُ علي، وأبطل حجتي، لذا أنا فخورة بعدله ممتنة لفضله وعلمه راجية النجاة من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبقربه، فلما سمعها قام إليها وطلب منها الكف عما تقول، خوفا من الرياء، وطلب منها أن تعود إلى الخيمة لتحتسي الشاي وتتناول الطعام، ففعلت، وبعد صلاة العصر ركبت الجمل يقوده سبطهاوذهبا، وهناك روايات أخرى مشابهة حضرتها بنفسي أو سمعتها من محيطي ومن تلاميذ المرحوم الذين عرفتهم ومن المعنيين أنفسهم لا يسعها الحيز المخصص لهذا التعريف الموجز.
بقلم الدكتور محمد المهدي محمد محمود الداهي