العولمة و ثورة المعلوماتية تياران جارفان مسحا بعض معالم الحياة السائدة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و رسما ملامح لعالم مجهول الشكل و لا يعلم أحد كيف سيكون ذلك الشكل فيما بعد
فالمتغيران التاليان سيطرا على الفكر و العمل ألا و هما السرعة و البحث عن أوفر المكاسب بمساحة زمنية صغيرة. فالألفية الثالثة الحالية قد دخلت سجل التاريخ ضمن عاصفة من العمل الناعم و الطموح الخشن و أصبحنا لا نعلم كيف أصبحنا و نمسي لا نعلم كيف أمسينا .و أصبح الارتباك عندنا سيد الموقف لأن الأجندات لا تستقر على حال و شبه عبثية. لذا جاءت أحداث و خواطر كتأملات و مشاعر لها من الصدق و الحميمية ما هيأ كتابنا هذا ماديا ليبرز ككائن صغير الحجم عميق الدلالات الرمزية.........................
فيما يلي مقاطع مختصرة من الكتاب:
أمنية العمر
..........وللمرء أن يتمنى كذلك و ليس بديلا عن ذلك أن يصبح شاعرا مجنونا من الدرجة الأولى أو مجنونا شاعرا لا فرق لأن الشعر لابد أن يكون جنونا أو لا يكون ولأن الشاعر و المجنون كلاهما فوق العادة و كلا منهما خارج عن المألوف ........ فشاعر من هذ الطراز يمكن أن يتحدى شعراء مجانين من أمثال نزار قبان و محمود درويش و أحمد ولد عبد القادر و سميح القاسم و أبو القاسم الشابي ......... شاعر متمرد على قوانين الخليل و لا يعنيه في شيئ إيقاع الجرس الموسيقي للكلمات ولا يعبأ إطلاقا بتصفيف القوافي والأبيات ................................................ شاعر كل ديوانه بضع كلمات سهلة ميسورة للشعراء و غير الشعراء ........................... .......شاعر قصائده نثرية مطلعها يا عرب ويا أجيال لا حل لقضيتكم إلا بامتلاك ناصية العلوم والتكنلوجيا ................................................................................. المنعطف الأخير جدتي! أعلم أنك تخبتين إلى الصلاة كثيرا .... و أنك في مقامك تعتكفين ....لا تريدين المقاطعة و لا تريدين المراجعة ...لكنني أعلم كذلك أنك لا تفارقين الأحبة تتحسسين خواطرهم ....تتأملين مشاعرهم ...تهمك انشغالاتهم لحظة بلحظة ..... لذلك ألتمس من وقتك بعضه و من صبرك أوسعه ..... لأن من حديثي ما قد يعكر صفاء الروح و هي في أسما مراتب الإخلاص ...و التفرد.... رجاء أريد أن أعرف هل كان في أمتكم من قبلنا هذا الاعتزاز بالذات و الشعور بالرضى عن حسن الأداء و الرقة في العواطف مثل ما في أيامنا ؟ ..... فنحن مثلا ، لا ننام و لانقرأ و لا نفكر ...يومنا قصير لا يكفي و غدنا بعيد لا يأتي ...نضحك بمفردنا ...و نحكي لوحدنا .... مراكبنا مستديرة مستطيلة ، مثلثة ، مربعة ، مكعبة .... بيوتنا مكشوفة بلا حواجز ...بلا مزالج .... نطمئن لكل شيء ... ونخاف من كل شيء ...نخاف القمامة و الذبابة ... و الذرة و الصرقعة والسكون والحركة نصادق الجميع و نحالف الجميع ...لا عدو لنا و لا صديق.... حياتنا مرقمة و مبادئنا مشفرة علماؤنا ...موظفون و مع ذلك و بالرغم من كل ذلك فنحن سعداء ...أعزاء ... مدارسنا تخلت عن الحكمة ... وألغت التاريخ ...وعطلت اللغة وزادت حصة الحساب والرسوم المتحركة ... فالمعرفة عندنا أرقام و حضارتنا أرقام ... ومشاعرنا أرقام ... ضيفنا على حسابه ...جارنا لحاله ... ومع ذلك وبالرغم من ذلك فنحن سعداء ....أعزاء نحن كلنا في الشبكة ...وبين الشبكات .....لا سر لنا .... و لا دور لنا ...نأكل و لا نسأل ، أغذيتنا مجهولة و أفراحنا حزينة و ابتسامتنا مزورة . ومع ذلك وبالرغم من ذلك فنحن سعداء ....أعزاء المرأة عندنا مكرمة ،مقسطة ،معلقة ،مهانة ،مدللة أطفالنا راشدون ...رجالنا قاصرون ضائعون ....جميعنا بضاعة ...أجيالنا سوق للصناعة ....فهل كانت أمتكم بكل هذا الترف مثل أمتنا ؟ حسنا ياولدي : لا أجد لكم من خيار غير ما عهدته الأمم من قبلنا و القرون من قبلها و درجت عليه الأجبال المتعاقبة : فالبنيان الهرمي للمجتمع له دور حاسم في تحديد شكل و قوة حركة الدفع صعودا و ارتكاسا ..... لأن الحراك الاجتماعي للأجيال يشبه إلى حد كبير تدافع الأمواج فكل موج يدفع بقوة الموج الذي أمامه و هكذا ............ ................................................................................................................... موريتانيا: تلك البوابة الخالدة ( هاذ المقطع كان ضمن رد على بعض المستهزئين بموريتانيا كيفا و كما )
إن ألفية الزمان المنعدم و الجاذبية المنعدمة ...ألفية السرعة المضروبة في أضعافها اللامتناهية.... قد شقت سكون ليلنا و رتابة نهارنا دون إذن منا فهل نتمكن من أن نكون رقما إيجابيا في ثنايا عدادها؟ إن الأولى بعرب اليوم ...عرب الألفية الجديدة ..... أن يبحثوا عن آليات هذ العصر و متطلباته ، بعيدا عن غابة الاتهامات المتبادلة و غير المتبادلة ( من جانب واحد ) و التي تكاد تكون جزءا من مكونات الشاي و القهوة العربية على مدار الأيام و الساعات و الحقب. إن آليات العصر و أشياءه و أغراضه عبارة عن وصفة معقدة التركيب و الأعيرة و الأحجام و المقاييس. فلا بدفيه مثلا من، ملاعق كبيرة من الديمقراطية .... و عدة أرطال من حقوق الإنسان و أكواب من حرية المرأة و كبسولات من حرية الصحافة و حرية الكلمة ..... و كثير من العمل و كم محترم من الفكر الناعم و قليل من النوم و عدة تلفزيونات بلوحة مفاتيح واحدة و سيارات صالحة للاستعمال مرة و احدة و غرف و قاعات يتم التحكم في فضائها و أبعادها بالريموت كونترول . .................................................................................................................... ..................................................................................................................
فمورتانيا عظمتها كانت و لا تزال بعلمائها و بأمجادها في الأندلس و أفريقيا ... و جمالها كان و لا يزال بواحتها التي تسامق السماء و تشاطئ المحيط و برمالها الناعمة و كأنها قصائد شعرية تجمع كنوز الماضي و إشراقة المستقبل .... فأطفال موريتانيا قد ذهبوا كلهم إلى المدارس ... وشعبها تعلم من فصول الديمقراطية أن صناديق الاقتراع تحمل قفلين .... وأن التصويت حق و واجب و أن العلم هو غذاء المستقبل.
ورحم الله أحد الشعراء حيث شبه رقعة صغيرة من فضاء موريتانيا بوجنة الشمس : (محمدي ولد احمد فال)
ألا يا بحير الصفو واللهو و الأنسي عليك سلام الله يا وجنة الشمس
فموريتانيا و جنة التاريخ و سيدة الوقار و حافظة القيم ..... لا تتهم أحدا و لا تلوم أحدا و تعمل كثيرا و تتحدث قليلا.......................
اسماعيل ولد اياهي / وزير سابق واستاذ جامعي