مرت ستون عاما على استقلال البلاد، و لايزال الوطن يبحث عن هوية جامعة تلم الشمل .. مانعة ترفض وتحاسب كل دعاية عرقية أو جهوية أو قبلية.
هوية يتفق عليها الجميع و يقدسها .. تعرف الوطن و تقدمه للآخر بصدق وأمانة تاريخية.
فأساس الهوية هو التاريخ المشترك، و لنا ذلك في هذه البلاد؛ مما يعزز وحدتنا الوطنية عندما يتغلب العقل المتبصر على العاطفة الجياشة بعيدا عن التخندقات السياسية والإيديولوجيات المتطرفة.
إلا أن الاستعمار الفرنسي عمل على شطب هذا المشترك، وظل يحرض على الفرقة والشقاق سبيلا إلى طمس هويتنا الإسلامية العربية والافريقية، و نشر ثقافته المتمثلة في لغته قبل علمانيته.
و قد نجح إلى حد كبير في ترك لغته كمسمار جحا في المدرسة والإدارة.
و رغم استقلال البلاد و اعتبارها وطنا واحدا ذا حوزة ترابية محددة؛ فإن مفهوم الوطنية لم يتبلور لدى المجتمع المنتجع بالأمس في أغلبه، والمتمرد على القانون والحدود الجغرافية بطبعه. و يبقى غياب الخدمات الأساسية وضعف المستوى المعيشي للفرد يفاقم أزمة الولاء والانتماء التي هي سوس ينخر جسم الوطن الهزيل بفعل معاول الهدم الشغالة منذ التأسيس.
كما أن الاختلاف في مفهوم الهوية لدى النخبة التي حكمت البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم أدى إلى خلل في وطنيتهم، نتج عنه تسيير غير معقلن يصل إلى درجة الفساد، و تقصير في العمل يصل هو الآخر إلى درجة الخيانة.
و نما في المقابل الحس القبلي الذي ما انفك يتغذى على المحسوبية والزبونية، وإقصاء و تهميش كل من لا يشفع له ذكر أب في الذاكرة الجمعوية.
و هكذا فإن ضياع هوية البلد الذي أدى إلى غياب الوطنية الذي أدى إلى الأنانية هو ما أوصل البلاد إلى ما هي عليه اليوم من سوء حكامة و هشاشة اقتصادية وأزمات أخلاقية و سياسية و تدن مذل في التعليم واعتلال مخل في الصحة رغم ما تتمتع به من موارد اقتصادية تؤهلها أن تتبوأ مكانة مرموقة على لائحة الدول المتقدمة.