تزدان مكتباتنا هذه الأيام بمؤلف ذي قيمة هامة ونادرة في علم القراءات ، وخاصة قراءة الإمام نافع تحت عنوان "كتاب الحوصلة المفيدة في شرح الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع " لخادم القرآن الكريم الشيخ التراد بن عبد الله بن محمد بن اخليف ، وهي القراءة التى قال عنها الإمام مالك رحمه الله أنها سنة ، لأنها قراءة أهل المدينة وقد انتشرت في بلاد المغرب الكبير وما وراءه ، وصنف فيها العلماء تصانيف كثيرة .
وتعتبر المدرسة القيروانية أول مدرسة اعتنت بقراءة نافع على يد الإمام محمد بن خيرون الأندلسي الذي قدم القيروان واستقر بها وبنى بها جامعا خاصا سنة 352هجرية ، ورسخ فيها قراءة الإمام نافع حتى صارت هي القراءة الرسمية حين أصدر أبو العباس عبد الله بن طالب أمرا بذلك.
وبعد أن انتشرت القراءة على يد الأئمة أمثال أبي محمد المكي والمهدوي ثم في المدرسة الأندلسية ورائدها الداني ثم الشاطبي , غير أن من اشهر ما ألف العلماء في هذه القراءة من تصانيف وأراجيز هي بلا شك منظومة الدرر اللوامع بلا مراء وقد تلقتها الناس بالقبول و وضعوا عليها الشروح الكثيرة التى لا تحصى عددا ,والذي يظهر أن أول شرح لها وصل قطر شنقيط هو تحصيل المنافع للسملالي السوسي حيث اعتمده العلامة عبد الله بن الحاج حماه الله (1209)هجرية ثم ابن الحاج الرقيق العلوشى وكذلك كان دأب من جاء بعدهم من الشراح.
وقبل عشرين سنة وضع الشيخ التراد صاحب الكتاب الذي بين أيدينا هذا الشرح المفيد حاول فيه حوصلة كل الشروح التى وضعت على منظومة الدرر اللوامع مع أجاز في العبارة من غير إخلال مع اختيارات وترجيحات لما اشتهر من ذلك عند أهل الفن فجاء الكتاب وسطا بين التطويل الممل والتقصير المخل .
وقد أخرج الكتاب في ثوبه الجديد وطبعته الأولى الأنيقة الدكتور أحمد فال بن محمدو بن الصيام باحث وإمام بدولة الإمارات العربية المتحدة
.................................
تعريف بالمؤلف
هو التراد بن عبد الله بن محمد بن اخليف الشنقيطي ولد في أواخر العقد السادس من القرن الماضي في أسرة علم وزهد وقد عرف الشيخ عند محيطه ب (الشيخ الكبير) وب (خادم القرآن) وقد كان ممن يصدق فيه حديث النبي صلى اله عليه وسلم (وشاب نشأ في عبادة الله ) أخذ القرآن عن والده عبدالله ثم عن خاله وشيخه القاسم بن هادي فأخذ عنه القرآن والرسم وهو لا يزال صغيرا وكان القاسم هذا شيخا متقنا للقرآن وعلومه لا يبارى فيهما ثم انتقل إلى بعض المحاظر في المنطقة لقراءة متون أخرى في علوم الشرع المختلفة وخصوصا محظرة ابن عمه الشيخ محمد ولد محمد الهادي ذات الصيت الكبير في المنطقة والتى يمر كثير من الأسانيد القرآنية بشيخها الأول العالم الرباني محمد ولد محمد الهادي رحمه الله ’ثم إن الشيخ الكبير انتقل في مسيرته التعليمية إلى عدة محاظر منها كذلك محظرة الشيخ محمد المصطفى ولد سيد يحي الأمسمي المعروفة ثم شد الرحال إلى إلى انواكشوط والتقى فيه بعدة مشائخ وأخذ منهم شهادات تزكية من بينها تزكية من شيخ محظرة العون المعروفة .
من مظاهر زهد الشيخ الكبير أنه لم يأخذ السند على كل المشائخ الذين أخذ عنهم القرآن وعلومه مع شهادتهم له بالإتقان .
وهب الشيخ الكبير نفسه لخدمة القرآن الكريم فأسس محظرة عامرة في قرية احسي الطين تخرج منها حفاظ كثر أنشأ بعضهم محاظر خاصة به متفرعة عن المحظرة الأم، ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة كيفه وفي حي رياض العامر حطت المحظرة من جديد مواصلة عطاءها الذي مازال متواصلا بحمد الله ومنه وهي محظرة "خدمة القرآن" فنرجوا من الله دوام الصحة والعافية لصاحبها.