تعب اللسان من المطالبة بالإصلاح من خلال الكلام المباشر, والقلم الذي خط السطور تلو السطور, وانتحر في أحداقنا بصيص الرجاء بسبب حكومة رعناء تغوص في الفساد, يقودها جنرال نصب نفسه بعد انقلاب عسكري رئيساً للفقراء إفكاً وزوراً.
وسقطت في شمال بلادنا طائرة ليست الأولى من بين طائرات أسطولنا الملغوم, مِنْ مَنْ قد سبق عليه القول بفعل فاعل, وغدر فساد مستشرٍ. تحطمت في البلاد طائرة توكانو باهظة الثمن, تم شراؤها وفق صفقات مشبوهة, وبلغ سعرها 18 مليون دولاراً, ولكنها تحطمت في أدغال مدينة أوجفت ليجف مع نيرانها بقيع أمل القضاء على الفساد, وصفقات الجيش المشبوهة, التي راح آخر ضحية لها رائد الطائرة المذكورة الميكانيكي أبو بكر بودج المستضعف, والذي أحد رعايا الجنرال.
الميكانيكي من الفقراء الذين سيسأل عنهم الجنرال لا محالة يوم يقتص للجماء من القرناء, ويأخذ لبودج حقه من الجنرالات, انطلاقاً من ولد لحريطاني وصولاً إلى ولد الغزواني, إضافة إلى رأس السلطة أبو بدر (الجنرال).
أجل سقطت توناكو وقبلها سقطت أختها من الأسطول الموريتاني عام 2011 قرب حديقة مدينة شنقيط العتيقة, وكادت أن تحترق معها زهور شنقيط العلمية والأثرية لولا أن الله سلم. ومع استمرار سيناريوهات الطائرات الملغومة لابد من الترحم على أرواح شهدائنا الذين سقطوا ضحية استهتار قائد سلاح الجو الموريتاني محمد ولد لحريطاني, وجنرال آخر لطالما ادعى محاربته للفساد, لتقودنا بعد ذلك دهشة تجعلنا نتسائل ما سر هذا اللغم؟ وما هي طبيعته؟ فنجيب من تلقاء أنفسنا إنه لغم الفساد, في زمن أقبل فيه الفساد بإقبال عزيز والذي انتهى بإقباله عصر التبجح بمحاربة الفساد ..
لغم أفتك من قبل بروح صديقي الملازم أحمد ولد إياه, ولم يكن لنا من الأمر شيئ سوى الحوقلة والترحم والاحتساب, فالعين تدمع والقلب يحزن وإنا على فراقك يا أحمد لمحزونون.
إلا أنه فيما يبدو هكذا يمضي الزمن في موريتانيا, فبالأمس سقطت طائرة أحمد, واليوم سقطت طائرة بودج, وغداً الله وحده يعلم على من سيحل الدور من عساكرنا الأشاوس, وربما يكون رثاء لبودج وأحمد والحسن وأحمد سالم وغيرهم من العسكر أنهم ودعوا زهرة الحياة الدنيا فانكشف بوداعهم ستار فساد المؤسسة العسكرية, حتى أصبحنا نرى هذا الفساد رأي العين في سلاح الجو خصوصاً, ومؤسسة الجيش عموماً, وما قضية ولد الخوماني منا ببعيد.
ربما يكون رثاء لهم أيضاً أن بكت عليهم السماء, كفارة عن بكاء التماسيح عليهم التي لغمت أسطولهم بالفساد, فاضطر العسكر إلى التمرد داخل السلاح الجوي الموريتاني بعد تحطم طائراتهم.
فيا ترى كيف ستكون فحوى التقرير الذي سيتطرق لمصير طائرة بودج وولد أحمودي؟ وهل سيلقي التقرير بالمسؤولية على لعنة دماء الجنرال المسفوكة من دون أي ذنب لأحمد طالب ولد أحمودي شقيق الملازم الحاج ولد أحمودي, الذي زج إلى الشهادة على نفسه أمام الشاشات بخصوص ملف الرصاصات الصديقة التي استهدفت الجنرال؟ أم أنه سيلقي بالمسؤولية على لعنة القاعديين في الشمال؟ أم أن اللجنة المشرفة على التقرير ستعود إلى رشدها وتأخذ بالموازين وتحمل مسؤولية ذلك لصفقات سُبَرْ تَوْنَاكَو المشبوهة البالغة 54 مليون دولاراً, أو قطع غيار قد تكون منتهية الصلاحية, أو شركات صيانة مستهترة لا مسؤولة, أو الفساد عموماً؟ أم أن الأكثر وضوحاً من بين كل هؤلاء التكهنات أن الحظ الأوفر من المسؤولية واللوم سيكون من نصيب طاقم الطائرة, كما كان الحال مع غيرهم من المغرر بهم من مَن سبق أن تحطمت به طائرته العسكرية؟!
يا ليت حروفي يقرؤها مستشارو الجنرال, (الذين صار يصعب عدهم بأصابع اليد الواحدة, نزولاً عند رغبات القبلية والجهوية) فيجيبنا الجنرال وهو رئيس البلاد, ما ضره لو أنه أرسى عدالة يعاقب بها الجاني على ما جنته يداه في حق الأسطول الموريتاني والمؤسسة العسكرية وحق الشعب عموماً لاسيما أن الجاني هذه المرة ليس بدراوياً ؟!
نعم بعد تحطم توكانو أصيب الرجاء فينا مرة أخرى, ولكن ليس برصاصة بدر الصديقة, بل برصاصة لغم الفساد المستشري في البلاد!.
رحم الله جنودنا وإخواننا ورفاقنا من عسكر الوطن الأبرار, فهم السابقون ونحن اللاحقون, والموت باب كل الناس داخله, فادخله أيها القارئ عزيزاً لا ذليلاً لاستكبار الجنرال وأعوانه.