منذ أن استقلت الدولة الحديثة ظلت مسألة العبودية في موريتانيا مثار جدل ونقاش ساخنين، خصوصا في العقود الأخيرة، لتتحول من ظاهرة سيئة ، خلّفتها الحِـقب التاريخية، و ما تزال آثارها حاضرة بقوة في المجتمع الموريتاني، رغم تستر الأنظمة وأزلامها الذين يعتبرن بأن من يتحدّثون عن وجودها ، هم مجموعة من المزايدين والمُتاجرين بكرامة البلد وسمعته ، إلى وسيلة دعائية لمغازلة الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت ومازالت تحكم البلد لاعتلاء مكاسب ذاتية على حساب القضية الكبرى" العبودية " التي باتت تأرق العديد من أصحاب النوايا الحسنة في هذا البلد كما تشكل وصمة عار في جبين موريتانيا كلها، وجريمة شنعاء ضد الإنسانية تجب معاقبتها وقمعها ، في شكل مؤامرة أبطالها هم المتقمصون لشخصيات تدافع عن الأرقاء السابقين بمباركة من تلك الأنظمة وبمخطط صهيوني ، يرمي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الهش .
من هذا المنطلق انتهز الفرصة لأقول لهؤلاء الذين يدورون في الأسطوانة الفارغة من المتاجرين بقضيتنا والمتآمرين معهم على أن الجدل في مسالة العبودية متجاوز من الناحية الشرعية والإنسانية فالإسلام أكد في محكم كتاب الله وسنة رسوله على قيمة الإنسان وشرفه وكرامته ، حيث جعل مسألة المساواة بين البشر من مرتكزات الشرع ، والأدلة من القران كثيرة على ذلك :"ﺇن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، " ولا تجزى كل نفس إلا بما كسبت "، كما ضيق الإسلام هذا الباب أمام جميع طرق نشوء الرق ، وشدد في حرمة بيع الحر واسترقاقه، وحصر دائرة الرق فيما أخذ من طريق الجهاد المشروع ، ثم سعى لتحرير الأرقاء ، وغيرها من الأمور التي تؤكد على مسألة إبطال الرق والعبودية وتعميم الحرية ، ورغب في ذلك ترغيباً ظاهراً بفتحه مجالات العتق وجعله من أولى الكفارات ، ككفارة اليمين والظهار والقتل ، وأيضا من مصاريف الزكاة المشروعة ، مع حثه وتأكيده على الإحسان إلى الرقيق وتعلميه وتأديبه وإكرامه وإعانته .
كما الفت انتباههم أن عليهم أن يقرؤوا من دروس التاريخ قبل الحضور المتأخر للقضية ليتدبروا النضالات التاريخية للدفاع عن القضايا العادلة بصفة عامة والمتعلقة منها بالاسترقاق بصفة خاصة لابد أن يعرفوا من كان وراء إطفاء نيران الفتن - التي كادت أن تشتعل بسبب ممارسات النظام الطبقي القبلي باعتباره وقود الفتن والأمثلة على ذلك كثيرة - حتى ذاق الأمرين في سبيل الدفع بها إلى أن أصبحت جرما يعاقب مرتكبه ، ولازالت تناضل من أجل إقامة نظام يعمل على تنفيذ تلك القوانين بجد وحزم ، الأمر الذي كاد أن يبدأ في تنفيذه لولا الانقلاب المشؤوم 2008 على أول نظام ديمقراطي مدني يؤمن بمبدأ التشاور ويرجع له الفضل في استحداث ترسانة من القوانين تنضاف إلى ماسبق تحققه وما قام به من خطوات أخرى تم اتخاذها في هذا الاتجاه تمثلت في اعتماد ما يسمى بالتمييز الإيجابي لصالح أبناء هذه الفئة التي عانت تاريخيا من الاستعباد والجهل والحرمان ، مما أزعج الطبقة التقليدية التي تضم الوجهاء وزعماء القبائل والفقهاء الذين يتواطئون مع المجتمع على ممارسة الرق برعاية ومباركة من النظام ومخابراته التي كانت شاهد عيان يوم" المحرقة" بمخطط صهيوني سفراؤه هم الذين يعتبرون أنفسهم حاملي لواء تحرير العبيد مما يوحي بمؤامرة تلوح في الأفق تنذر بمخاطر قد لاتحمد عقباها ، تعد لها ميلشيات بلطجية كعصي خبيثة تستخدم في وجه الخصوم السياسيين لتحقيق تلك النوايا السيئة على نمط "دارفور ".
ﺇنه من الواجب علينا جميعا خدمة لمصلحة بلدنا أن نتجاوز الخلافات الرامية إلى إثارة الفتن بين مكونات الشعب الضعيف التي يروج لها في الآونة الأخيرة و البحث عن حلول عاجلة تمكن أبناء هذه الشريحة من تجاوز ماعانوه من تخلف اقتصادي وثقافي يأخذ في عين الاعتبار مزيدا من توطيد اللحمة والتماسك بين كل مكونات هذا الشعب ، بعيدا عن إثارة الفتن وزرع الأحقاد و إشاعة التفرقة العنصرية والدعايات المغرضة بين مكوناته ، ولا سبيل إلى ذلك دون حوار شامل يجمع مختلف مكونات شعبنا ( أحزاب سياسية ، منظمات حقوقية ، مجتمع مدني ... )
لتشخيص وضعية البلد المتأزمة والبحث عن حلول جذرية لمختلف القضايا الوطنية التي من أولوياتها قضية" الرق" التي باتت تثير الكراهية والشقاق بين مكونات مجتمعنا المنسجم المتراص بقوة الدين واللغة والتاريخ والأرحام والتكامل الاجتماعي والتطلع إلى نظام عادل يحقق طموح كل الموريتانيين .