كحال الكثير من أبناء الوطن في المهجر أحمل شحنة زائدة من الارتباط بذلك المنكب البرزخي ويستوطن الحنين إليه سويداء القلب بل يعتمل في نفسي مزيج من الاعتزاز به والشفقة عليه وأشعر بالكثير من الأسى على كونه لا يزال يراوح مكانه وقوافل الأمم والشعوب تحث الخطى وتقطع المراحل وهو في نفس الحالة المؤسفة والواقع المزري!
مهلا.. لا تذهبوا بعيدا فأنا لا أقصد الثورات ولا الإصلاح.. ولا أطمح للرخاء ولا الازدهار ولا الرفاهية.. وصدقوني لا أنادي بمثل عليا كالحرية و العدالة...
كل ما أريده هو أن أرى في وطني نموذجا ولو صغيرا لما أجده في أوطان الآخرين !
منذ نشأة الدولة الموريتانية ومسئولوها من رؤساء ووزراء ومستشارين وموظفين من كل المستويات يجوبون العالم في الزيارات والدورات والسياحة والاستشفاء..
أو لم يسيروا في الأرض فينظروا ماذا قدم الآخرون لأوطانهم؟! حتى في دول الجوار التي دأبت الحكومات المتعاقبة على مقارنة حالنا بحالهم وتفضيلنا عليهم وطبعا لا يقصدون المغرب ولا الجزائر فذلك لا يخدم فكرة المقارنة, وهيهات أن نلحق بما قدمه السنغاليون لوطنهم . وليس من العدل المقارنة بيننا وبين مالي في وضعها الراهن وهي التي كانت تتفوق علينا في مجالات عدة قبل أن تتدهور أمنيا ثم هل يكفي أن نكون أحسن من مالي في مجال واحد ولفترة معينة من الزمن كي نرضى عن واقعنا؟!
باختصار وحتى تعلموا بساطة مطلبي وتواضع حلمي إليكم ما أريد:
أريد الحد الأدنى من التزام الموظفين بأعمالهم وتفانيهم في خدمة المواطنين مقابل ما يأخذون حتى ولو كان قليلا.
الحد الأدنى من العلاج والرعاية الصحية والإنسانية للمرضى والعجزة.
الحد الأدنى من نظافة الشوارع والأماكن العامة.. فقط الحد الأدنى. الحد الأدنى من تنظيم المرور والالتزام بقوانين السير وذوق القيادة.
الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية عند المعلمين والمربين لجيل المستقبل .
الحد الأدنى من النزاهة والاستقامة لدى كل صاحب سلطة بدءا من الرئيس إلى أصغر شرطي.
الحد الأدنى من الصدق والتحري والشجاعة عند كل إعلامي أو كاتب.
الحد الأدنى من الرحمة والإحساس بالآخرين عند كل رب عمل أو رجل أعمال.
الحد الأدنى من رقابة الضمير ورقابة المجتمع ورقابة القانون. باختصار أريد الحد الأدنى من كل قيمة وطنية أو أخلاقية جميلة وعندما نتذوق طعم الجمال والحق والعدل والخلق والذوق لا شك ستنفتح الشهية وتزداد الجرعة تلقائيا !