بدءا أرجو أن تعذرنا قيادتنا الوطنية لأننا لم نكن على مستوى الحدث، فلم ننظم المسيرات ولم نطلق المبادرات، ولم ننشر بيانات التأييد والمساندة بمناسبة اختيار السيد "محفوظ ولد محمد عالي ولد السملالي" مفتشا عاما للدولة.
فلتعذرنا قيادتنا الوطنية فنحن من المعروف بأننا شعب لا يملك مخزونا كبيرا من عبارات الشكر والمجاملات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بشكر السلاطين. كما أننا نُعرف أيضا بالبخل في الإنفاق من ذلك المخزون القليل، ونزداد بخلا في الإنفاق من ذلك القليل إذا ما تعلق الأمر برد الجميل لقيادة وطنية كان لها الفضل في اتخاذ قرار شجاع وجريء تم بموجبه تعيين السيد "ولد السملالي" مفتشا عاما للدولة الموريتانية.
فلتسامحنا قيادتنا الوطنية على نكران الجميل، ولتسامحنا لأننا لم نصفق لها، ولم نزغرد ملء حناجرنا لحظة سماعنا بالقرار الشجاع والرشيد والصائب والذي أصبح بموجبه "ولد السملالي" مفتشا عاما للدولة.
فأين أنتم يا ضحايا الفساد؟ وَلِمَ لم تتفاعلوا مع هذا التعيين الموفق؟ ولِمَ لم تصفقوا بأياديكم وبأرجلكم لمثل هذا التعيين الذي تم بموجبه اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب؟
صحيح أن قيادتكم الوطنية قد عودتكم منذ وصولها إلى الحكم على القرارات الحكيمة، وعلى التعيينات الصائبة، لذلك فلن يكون من الممكن عمليا التصفيق بالأيادي و الأرجل لكل تعيين صائب لأنكم لو فعلتم ذلك لتورمت أياديكم ولتشققت أقدامكم من كثرة التصفيق المتواصل.
تلك كذبة لا يمكن تصديقها، عفوا، تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن ذلك لن يمنعنا إطلاقا أن نخص تعيينات بذاتها بتصفيق خاص، وذلك لأنها استطاعت أن تختطف الأضواء من بين كم هائل من التعيينات الموفقة التي قامت بها قيادتنا الوطنية خلال السنوات الأربع الأخيرة.
إن تعيين المفتش "ولد السملالي" يمكن اعتباره التعيين الأكثر توفيقا في هذا العهد الذي عُرف في كل تعييناته بتطبيقه الحرفي واللفظي، والشكلي والموضوعي، والرأسي والقاعدي، لمبدأ الإنسان المناسب في المكان المناسب. ويمكن أن نتلمس ما يتميز به هذا التعيين الصائب عن غيره من التعيينات الصائبة من خلال النقاط التالية:
1ـ إن هذا التعيين ليؤكد بأن الحرب على الفساد قد تم حسمها فعلا، وأن المفتشية العامة للدولة لم تعد هناك أي ضرورة لوجودها، لذلك فلم يعد هناك ما يمنع قيادتنا الوطنية من أن تعين على رأس المفتشية موظفا لا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ أن نبرئه من تهم الفساد، وذلك لأنه كان محافظا للبنك المركزي ووزيرا للمالية خلال ما يزيد على عقد من حكم "ولد الطايع"، وهو العقد الأكثر فسادا في كل تاريخ ذلك النظام المفسد. ففي ذلك العقد قام البنك المركزي الموريتاني بأكبر عملية تزوير للأرقام والمؤشرات في كل تاريخ البلد. وفي ذلك العقد أيضا منحت وزارة المالية عددا هائلا من القطع الأرضية في مقاطعة "تفرق زينة" وبالطرق الأقل شفافية. وكان السيد "ولد السملالي" محافظا للبنك المركزي عند القيام بتزوير الأرقام، كما كان وزيرا للمالية في الفترة التي شهدت أضخم عملية توزيع للقطع الأرضية.
2 ـ إن هذا التعيين ليؤكد بأن الطبقة السياسية قد تم تجديدها، وبأن دماءً جديدة قد ضخت في إدارتنا، ولم يعد هناك أي شاب من حقه أن يحصل على وظيفة إلا وقد تم توظيفه، ولم يعد هناك أي شاب يستحق الترقية إلا وقد تمت ترقيته. إن القيادة الوطنية التي وعدتكم أكثر من مرة بأنها ستجدد الطبقة السياسية، وبأنها ستضخ دماء جديدة في الإدارة قد وفت بوعدها مما جعلها تضطر ـ بعد اكتمال عملية ترقية الموظفين الشباب ـ للبحث في سجل المتقاعدين عن موظف تعينه على رأس المفتشية، فقادها بحثها ذلك إلى الموظف المتقاعد "ولد السملالي" فعينته مفتشا عاما للدولة. وإن مما يدعم هذا الكلام هو أن القيادة الوطنية نفسها كانت قد أقالت المفتش "سيدي ولد أحمدي" من نفس الوظيفة عندما وصل إلى سن التقاعد، لأنه في ذلك الوقت لم تكن عملية توظيف وترقية الشباب قد اكتملت على العكس مما هو حاصل اليوم.
3 ـ إن تعيين "ولد السملالي" ليؤكد بأنه لم تعد لدينا أية مشكلة في تعيين السياسيين في وظائف حساسة، وذلك بعد أن بلغت إدارتنا مستويات عالية من الشفافية لدرجة لم يعد فيها بالإمكان أن تتأثر الوظيفة بالولاء السياسي للموظف، حتى وإن أراد الموظف نفسه أن يُحدث مثل ذلك التأثير.
إن هذه المناعة التي اكتسبتها إدارتنا هي التي جعلت قيادتنا الوطنية لا تهتم بالبحث عن شخصيات غير سياسية لتعيينها على الوظيفة الأكثر حساسية، بل إن تلك المناعة هي التي أغرت قيادتنا الوطنية بتعيين "ولد السملالي" مفتشا عاما للدولة رغم أنها تعلم بأنه شخصية قيادية في حزب الوئام الذي يرأسه من وصفته قيادتنا الوطنية ذات يوم بأنه علم من أعلام رموز الفساد، وركن من أركان النظام الأكثر فسادا في تاريخ البلد.
4 ـ إن قيادتنا الوطنية لم تعد تهتم بالإشاعات المغرضة، وذلك لأن أربع سنوات من الحكم الرشيد قد أثبتت للشعب بأن قيادتنا الوطنية بعيدة كل البعد عما تروج له تلك الإشاعات.
إن تلك الثقة هي التي جعلت قيادتنا الوطنية تعين "ولد السملالي" مفتشا عاما للدولة في هذا الوقت بالذات الذي تم فيه فتح ملف "ولد بوعماتو". الشيء الذي جعل البعض يروج بعض الإشاعات التي تقول بأن ذلك التعيين قد تكون له صلة ما بالملف المذكور، وذلك نظرا للخلاف القديم بين الرجلين.
لقد تعمدت قيادتنا الوطنية تعيين "ولد السملالي" رغم تلك الإشاعات لأنها أولا تثق في نفسها، وتعلم بأنه لا صلة لذلك التعيين بملف "ولد بوعماتو"، وثانيا لأنها تثق في شعبها وتعلم بأنه لن يصدق مثل تلك الإشاعات المغرضة، حتى وإن رُوج لها على نطاق واسع.
حفظ الله موريتانيا.