بعد أعوام من التدريس يطيب لي في عجالة أن أنثر عشر ملاحظات كتبت على عجل وفي لحظات من "الفيض" غيرة على هذا الوطن وأبنائه وتعليمه فليسامحني كل من يرى نفسه مستهدفا بما بين السطور سواء كان جهة خاصة أو جهة وصية على ثغرة تربية النشء وتعليمه، نقاط عشر أردتها عذرا أتشبث به بين يدي ربي ككاتب و إطار -ولا فخر- تابع لوزارة التهذيب والإصلاح وللكلمتين وقعهما وإيقاعهما على كل نفس تحمل هم الإصلاح وتسعى لتهذيب سلوكيات النفس...
لا أخفيكم أني صرت زاهدا في الكلام والتنظير لكثرة ما صدمني الواقع برفاق عرفتهم مُفَوَّهين فلما وُلُّوا تولوا ونكصوا ونكثوا ومن نكث فإنما ينكث على نفسه...غير أن ذلك لم يقتل أملي ورجائي أن يبعث الله من صلب الإدارة من يثخن في معاقل الفساد وأن يحررها من المنظومة الجاثمة عليها والتي لا ترقب في أبناء شعبها إلا ولا ذمة.. سأسرد النقاط العشر إسهاما في وضع حد لتفاقم الوضعية المزرية للتعليم ولضعف مستويات التلاميذ وليأخذ كل منها ما يعنيه وليتحمل تبعاته:
1- أن إعطاء نتيجة سيئة للطلاب بداية العام يعكر صفو أغلبهم ويفقده حماسه وبالتالي ينبغي أن يكون أول اختبار ميداني مبسطا ليفتح شهيتهم للمادة ويبدد بعض المخاوف! فالأستاذ ليس مجلوبا لعرض "عضلاته" العلمية بل لإيصال المعلومة وزرع الأمل..
2- أن ضعف المستويات في مادة الفيزياء خاصة يعود لمسألتين ضعف المستوى اللغوي إذ لا يفهم أغلبهم ماهية السؤال ثم الخلفية الرياضية ذات الأساس الهش إذ ترى أهل السوابع صرعى أمام إسقاطات متجهية وعلاقات مثلثية!، فعلى القائمين على القطاع مراجعة لغة التدريس دون المساس باللغات الأخرى بل اعتماد نتيجة معتبرة كعتبة في كل اللغات المدرسة..
3- غياب دور آباء التلاميذ والاهتمام بمتابعتهم فمن غير المعقول أن نبني في 30 ساعة اسبوعيا-حصيلة ساعات التدريس- بناءً تهدمه معاول تعمل على مدى 138ساعة- بقية ساعات الأسبوع- والهدم أسرع من البنيان أحرى أن يكون الوقت المخصص له أضعاف ما صُرف في البناء.
3-غياب عنصر التشويق والإثارة في المناهج فهي جامدة المبنى عديمة المعنى خالية من التجارب التطبيقية لانعدام وسائل الإيضاح (المخابر).
4- الاكتظاظ الذي يحول دون متابعة التلميذ كوحدة مستقلة ومعرفة نواقصه، فإما أن تظل حبيس درس لمدة أسبوع فيؤثر ذلك على البرنامج لمحدودية الوقت أو تزيد الجرعات فينعكس ذلك على الأداء.
5- غياب المحفزات للمخلصين من المدرسين والمتميزين من التلاميذ فيرى التلاميذ بأعينهم أن الكفاءة في التدريس عنصر إقصاء والتقاعس عن أداء المهمة عامل حظوة فيثبت لديهم بالقرائن والأدلة ما سمعوه عند العامة ورُوج له هناك أن المعيار في الترقية هو القرابة والسياسة لا الأهلية والكفاءة.
6-تفريغ مسابقات الرالي والأولومبياد من محتواها واعتماد نتائج كان يعتبر صاحبها- في أيام خلت- مقصيا من النجاح لكونها العتبة،صارت في أيامنا تؤهله للجولة الثانية من السباق! وهي أمور لم تؤخذ كدرس في اعتماد مراجعات جذرية لإصلاح التعليم.
7-العودة كل مرة في الملتقيات المخصصة لإصلاح المناهج للإهتمام بالقشور كلصق ونسخ وتقديم وتأخير لبعض العناوين دون تحليل لعمق المشكل..
8- تعويل التلميذ على مساعدته من طرف الأهالي بتيسير ولوج المعلومة إليه مستعينين بذلك على ضعفاء الضمائر ممن يبيعون حسهم الوطني بتحسن علاقة مع فلان أو دريهمات يسدون بها الرمق في حدها الأدنى أو تلحقهم بركب المادية الجارف فيُرون في سيارات مقبولة وملبس ناعم وعطر باريسي...
9-تربح القائمين على القطاع الخاص واعتباره إستثمارا تجاريا بحتا فتراهم يكدسون قرابة المئة في أعرشة متهالكة دون اهتمام بالبنى التحتية ولا بتوفير مخابر علمية خاصة للدفع بعجلة البحث العلمي..هذا مع غياب الدور الرقابي للمصالح المعنية..
10- غياب التوجه العلمي لدى الحكومات المتعاقبة واهتمامها بحوارات سياسية وعرقية على حساب الورشات العلمية وتنظيم ملتقيات-في أغلبها- لتبرير الصرف لا للجوهر...فتحس بذلك أننا في "جوقة" مفتوحة الهدف منها الإلهاء وأننا أمام بروق خلب خداعة..
وفي الأخير أتمنى التوفيق لزميلنا الوزير وللمجلس الوطني للتهذيب في مهامه الموكلة إليه وننتظر بفارغ صبر الإعلان عن إقلاع علمي يوصلنا المريخ بتمويل موريتاني صرف بعد إقلاع إقتصادي يقضي ديوننا المتراكمة ويجعلنا من المتصدقين..
محمد عبد الرحمن محمد عالي "فاضل"
أستاذ الفيزياء والكيمياء بثانوية كيفه3