قرر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إرسال بعثاته إلى الداخل بعد أكثر من سنة من انقطاع التواصل بين قيادته وجمهور المنتسبين. لا بد وأن الكل يتساءل ما طبيعة هذا التحرك؟ هل يطل الحزب بوجه جديد في توجهاته وأساليبه وتعامله مع ما ورث عن العهد السابق من ظلم، وإقصاء وتهميش وغطرسة وتحد سافر لإرادة الشعوب. أم أن قوة العادة وحب السير على الدرب المطروق وعدم الرغبة في إثارة غيظ المتنفذين ستطغى على سلوك البعثات الحزبية؟ لتكون اللقاءات منبرا كرنفاليا يستعرض فيه أبطال العشرية المنصرمة عضلاتهم ويفرغون فيه شحنة أفراحهم المفرطة وغلظتهم المستهجنة. لقد بدأت بوادر ذلك وعلى الخصوص في أكثر أوكارهم غرابة وخرقا للمألوف و المقبول.
وهكذا وقبل أن تبدأ الحملة بدأ زبناء أحد متنفذي العشرية يزمجرون ويولولون ويشحذون أقلامهم لإعادة المصداقية لبطلهم الذي استطاع بقوة الدولة وسلطان الدولة وأموال الدولة أن يجعل منهم شيء مذكورا.
من يمكنه أن ينكر أو يتناسى أن الهيئات الحزبية السابقة كانت ثمرة أكبر حملة تزوير عرفتها البلاد منذ نشأتها، حملة بلغ فيها عدد المنتسبين إلى الحزب أكثر من مليون ناخب، واستخدمت فيها أكثر الأساليب غرابة وجسارة في تاريخ الانتخابات، حيث انتخب على رأس بعض هيئات الحزب مسنون جاوزت أعمارهم المئة سنة ولا يتمتعون بأقل قدر من قواهم العقلية او البدنية. هذا ما أنتجته عبقرية أحد مهندسى لجنة إصلاح الحزب وهذا ما مورس في حق سكان لبراكنة كنموذج، وفحولهم كل فحولهم حاضرون، شاخصون قيام. كيف تمكن من ذلك؟ بسلطان الدولة وكم هذا السلطان جبار في دول لم تتجذر فيها التقاليد الثورية.
هذا إذا هو الحزب، حزب تم بناؤه بإشراف من شباب أذهب عقولهم ما وصلوا إليه من التمكن في ظل سلطة فوق القانون، سلطة رئيسها هو القانون. إن هذا الحزب هو ثمرة مشروع عظيم كاد يتحقق، مشروع المأمورية الثالثة. كيف تم تفاديه؟ وهل أبعد الخطر؟ هذا هو اللغز ولسنا الآن بصدد فك الألغاز.
السؤال المطروح الآن هو: هل بعثات الحزب على وعي بطبيعة هذه التركة والتي يبدو انها تبنتها؟ هل تضع هذه البعثات في الحسبان ما تنطوي عليه تلك التركة من ظلم وغبن وإهانة لطيف واسع من الرأي السياسي الوطني؟ هل سيتم إنصاف هذا الطيف أم ستطحنه في ظل ما يؤمل من تغيير، نفس العجلة، عجلة العشرية التي ما يزال أكثر عناصرها فتكا و حرباوية يبث سمه في جسم النظام؟؟
الحقيقة هي أن هناك بعض المفارقات مازالت تستوقفنا لا بد أن نشير إليه:
المفارقة الأولى هي أننا في ظل الحملة على الفساد ما زلنا نحتفظ في أكثر المرافق الاقتصادية حيوية بمن كان يتحكم في خزائن أرضنا، رغم أن النظام السابق جمع له ما في الدولة من نفوذ. فأي منطق يجعلنا نصدق براءة من هذا وضعه من فساد عشرية هو وعاؤها والمتحكم في كل ما يدخل ويخرج من مستودعاتها؟ أم أن للدولة منطق لا يقبله المنطق ويجرح الإحساس العام؟
المفارقة الثانية هي أننا مجمعون على التنديد بحصيلة العشرية ومع ذلك ما زلنا مترددين في القطيعة مع إرثها. هلا اقتبسنا مما يجري من حولنا في الجزائر مثلا لرفع المظالم واستعادة المصداقية للدولة؟.
إننا نرحب بالتحرك الجديد للحزب إذا كان ينطوي على بعض المراجعات، وإلا فإنما نقول فيه ما قال المتنبي في العيد:
عيد بأية حال عدت يا عيد **** بما مضى ام لأمر فيك تجديد
بقلم: الدكتور عبد الرحمن ولد سيدى حمود