نصف قرن من خدمة الوطن..مقتطفات من ذكريات جبريل ولد عبد الله (2): الاستعمار.. الاستقلال.. الاكتتاب في الجيش:
كان الإداري عبد الله قد أحب ابنه جبريل حبا جما، فكان يرحل به في كل مهمة أو تكليف إداري في حقبة الاستعمار. ذكر لي الوالد جبريل رحمه الله، أنه أقام مع أبيه عبد الله في غاو وتمبكتو وانيور، فلم يلحظ أي اختلافات في العادات بين الشعبين.
وأقام معه كذلك في بتلميت وسيلبابي حيث بدأ جبريل في سيلبابي دروسه في الرماية على يد معلمه بوبه ولد ابيبكر رحمه الله.
ويذكر جبريل رحمه الله أنه كان مرة مع أبيه ومعلمه بوبه في رحلة من سيلبابي إلى كيفة فرأوا لبؤة وأسدا في منطقة لا يمكن المرور من غيرها، فأرادا أن يمتحناه وخيراه بين قتل اللبؤة أو الأسد، فاختار الأسد ظنا منه أنه هو المهمة الصعبة، فتدخل المعلم وقال: “بل اختر اللبؤة، وإذا أخطأتها فستأكلنا جميعا” ثم حدد له موضعا بين عينيها يصيبه، فأصابها بطلقة واحدة في الموضع نفسه، وتولى بوبه قتل الأسد، ففرح والده عبد الله فرحا شديدا لم يكن رآه فرح فرحا مثله قبل ذلك اليوم، وقال له: هكذا يجب أن ينجز الرجل مهمته الأصعب دائما.
عندما كان عبد الله حاكما لكيفة، تعرف جبريل على معظم أعيان موريتانيا، الذين كانت الإدارة الفرنسية توقفهم بسبب خلافات سياسية، فكان عبد الله يؤثر صداقتهم ولا يشعرهم بأنهم سجناء سياسيون. فتكونت حينها صداقات لن ينهيها الزمن، يذكر جبريل من ذلك أن عبد الله كان يرسله دائما عندما يأتي في إجازته من السينغال، إلى تامشكط لدعوة صديقه العزيز إلى قلبه سيدي ولد الغوث.
وكذلك كان تجار من أعيان تگانت يأتون إلى كيفه أيام كان عبد الله حاكما، وكانت زوجته فاطمة رحمها الله تسهل لهم الاستفادة من قسائم البضائع الفرنسية (البوهات) الموجودة في مخازن الإدارة الفرنسية.
بعد أن استقلت موريتانيا، خيرتْ فرنسا الإداري عبد الله بالرحيل أو البقاء، فاختار البقاء في موريتانيا بسبب تدينه وارتباطه بولده جبريل البيظاني مولدا وثقافة ووطنا وتعلقا.
ومن الدوافع التي جعلت جبريل يختار الجيش كمهنة، هي تعلق محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود رحمه الله أول وزير دفاع موريتاني بعبد الله الذي كلفه بوضع اللبنة الأولى من النظام الأساسي للجيش الوطني.
تقدم جبريل لأداء واجبه الوطني والتحق بمدرسة سومير للمدرعات في فرنسا عام 1961، ليتخرج منها ضابطا مدرسا ومكونا في المركز الوحيد للجيش الوطني بروصو، حيث كانت أيامه الذهبية صحبة صديقه “پپا چالو” (العقيد الراحل محمد جالو) رحمه الله.
وكان منزله آنذاك بلگويربات (روصو حاليا)، الملاذ الآمن الدافئ لأهل لعصابة المتجهين إلى السينغال. حتى صار أهل المنطقة يقولون متمثلين بكثرة ضيوف جبريل وزواه: “انتَ صل مانك لمسيد ؤ لانك دار بيبي” (بيبي هي لقب جبريل الذي يطلقه عليه أهله وأصدقاؤه).
وحدثني أنه كان في تلك الفترة يتمتع ببنية جسدية قوية، حيث كان يخرج سائرا كل ليلة مسيرة 25 كيلومترا مع المتدربين ليعودوا فجرا إلى المدينة.
انتظرونا في الحلقة القادمة حيث سنروي إن شاء الله مقتطفات من فترة الجفاف وعمليات المساعدة الغذائية التي كان جبريل يديرها آنذاك. لا تنسوا الدعاء للوالد بالرحمة والغفران.
أحمد جبريل ولد عبد الله