"صفق برجليك قبل يديك للنظام لكي تعيش ونافق في السر والعلن للزعيم أو رئيس الحزب حتى تكون مناضلا وطنيا شريفا " تلك معادلات اتفق غالبية ساستنا اليوم على جعلها مسلمات ومنهجا للحياة تتربى عليه الأجيال ولا مكان لمن يعمل بها .
في موريتانيا الرسمية إذا لم تصفق برجليك قبل يديك وتكاد تقول ما علمت لكم من إله رازق غير الرئيس و تكاد " تسبح بحمده" وأن تعتبر كل من خالف الرئيس ولو في جزئية واحدة من كل سياساته هو مرتزق فاسد عميل ولعنت ذلك المخالف سرا وعلانية فأنت من المغضوب عليهم والضالين عن منهج الحكم الرشيد ومحروم من كل حقوقك والويل كل الويل إن قلت أن من حق اليساريين أو الإسلاميين أو أحمد ولد داداه – مثلا - الوصول إلى السلطة أو حتى المشاركة فيها والأخطر من كل ذلك – عند النظام - أن تتفوه ولو هذيانا وفي خلاء من الأرض بكلمة حسنة عن الرئيس الأسبق أعل ولد محمد فال فإنك بذلك ستوضع في قائمة سوداء تلاحقك لعناتها أين ما حللت , فطريقك الوحيدة لتجنب غضب النظام وبالتالي وجودك في المحتمل حصولهم على بعض حقوقهم وتجنب ملاحقته هي أن تقول أن كل ما عمله النظام أو سيعمله هو الصواب بعينه وكلما عمله أو سيعمله المخالفون له هو الخطأ بعينه ! واحذر أن تكون لك قرابة بشخص له قرابه بشخص يعارض الرئيس أو يسعى للوصول للسلطة فتلك تهمة بحد ذاتها بل دليل يكفى لإدانة بتهمة "الخيانة العظمى" أي معارضة النظام .
في موريتانيا المعارضة إن أنت لم تقل : " ما علمت لكم من مخلص ومنقذ أفضل من زعيم – أو رئيس- الحزب – فهو الشريف النظيف المناضل الملهم الذي يملك عصا موسى والقادر على تحويل البلاد إلى جنة من جنان الدنيا قبل أن يرتد إليك طرفك , فأنت مصفق للنظام ومن أزلامه عديم الوطنية والويل لك إن تطرقت لديمقراطية تلك الأحزاب وخلود زعاماتها وانفرادهم برآساتها وبقراراتها أو تذكر حسنة من حسنات النظام فأنت إذا مدسوس من قبل النظام ومرتزق .
تلك سمات لغالبية – حتى لا اظلم البعض - طبقتنا السياسة المسؤولة عن تسيير البلاد – تنفيذا ( السلطة ) أو رقابة ( المعارضة)- فهل تلك هي سمات "الجمهورية الإسلامية" ؟ وهل هي سمات موريتانيا الجديدة التي وعدنا بها أكثر من مرة ؟ .
أخطر ما في الأمر هو أن يرسخ المجتمع تلك الأفكار والسمات , فعندما لا تصفق فأنت " مخدوع " أو مغرر بك , وعندما تنتقد شخصا معارضا أو مؤيدا فأنت تنتقد أسرته وقبيلته وما من سياسي إلا وله قبيلة وإذا أردت تجنب غضب أبناء تلك القبائل والتي لا شك لك منهم قريب , صديق , حبيب أو زميل فما عليك إلا أن تكون أخرس أطرش لا تسمع ولا ترى ! . إننا إذا كنا نريد أن نؤسس لدولة جديدة أو الجمهورية الثانية– بعدما فشلنا في تأسيس الأولى – فإننا يجب أن نعيد النظر في بعض قيمنا ونظرتنا إلى الآخر وإلى تعاملنا معه , فنتفق على أننا جميعا سواسية في هذا الوطن وأنه ملك لنا جميعا وأن مسؤولية النهوض به تقع علينا جميعا وأن اختلاف وجهات النظر سنة كونية وطبيعة بشرية يجب التعامل وفقه ضوابط " فقه الاختلاف" وأن ليس كل من في السلطة هو مفسد وليس كل من في المعارضة هو متمصلح وأن الخيرين يوجدون في المعارضة كما يوجدون في السلطة وأن الكل يخطئ ويصيب وأن نزرع ثقافة الثقة والتعاون عند الاتفاق وحسن النية والإنصاف عند الاختلاف وأن من تصدى للشأن العام هو ملك للجميع ولم يعد ابن الأسرة أو ابن القبيلة فقط وبالتالي هو عرضة للانتقاد وبذلك يمكننا أن نؤسس تلك الجمهورية التي يحلم بها جميع الموريتانيين المحبين لها , جمهورية إسلامية ديمقراطية مزدهرة مقياس المرء فيها هو ما يقدمه من عمل لوطنه و إلا فإننا بتلك السمات أو الاعتبارات التي أشرت لها في البداية نؤسس لموريتانيا جديدة فعلا لكنها ليست الجمهورية التي نحلم بها بل إنها " جمهورية النفاق " .