تعتبر الإنتخابات ومبدأ فصل السلطات الثلاثة (السلطة التنفيذية، والسلطةالتشريعية، والسلطةالقضائية) من بين أمور أخرى من أهم المرتكزات التي تبنى عليها الديمقراطية. وفي هذا الصدد كان التناوب السلمي على السلطة، وتحديد العهدة الرئاسية، من العوامل الأساسية لترقية الممارسة السياسية الديمقراطية.
لقد ورثت الدولة الموريتانية عند نشأتها أحزابا سياسية تمتلك رؤية وتصورا للواقع السياسي للبلد أنذاك، وكانت هذه الأحزاب تشارك وبشكل جدي وقوي في الفعل السياسي، وكانت حاضرة في المشهد السياسي في برامجها وترشيحاتها وتصويتها، إذ تمتّٓع قادة تلك الأحزاب بوعي ونضج نادرين؛ رغم اختلاف برامجهما. إلا أن هذه التجربة الديمقراطية و الحالة الصحية والطبيعة للتعاطي مع السياسة والسياسيين الوطنيين تم النكوص عنها بل وأدها في بدايتها ولما تنضج بعد.
إن القضاء على هذه التجربة الديمقراطية الوليدة كان خطأ فادحا مازال البلد يدفع ثمنه غاليا إلى الآن. فالسياسة التي اتبعت من لدن الرئيس المدني الأول للجمهورية لمدة ناهزت عشرين سنة والقاضية بحل الأحزاب القائمة، وخلق حزب الدولة (حزب الشعب)، والقضاء على كافة الخصوم السياسيين، الحقيقيين والمحتملين، كل ذلك شكل البذرة الحقيقية الأولى لترسيخ الدكتاتورية وتشبث الحكام بالسلطة في ما بعد ذلك.
ومن المؤكد أن محاولة العسكريين والمدنيين معا بعد ذلك في ظل حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع إقامة مؤسسات ديمقراطية قوية وصلبة لم تكن موفقه بالقدر المطلوب، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة صدق مقولة إن الديمقراطية لا يمكن أن يقيمها غير المدنيين، أو أنهم أكثر من العسكريين في ذلك الأمر.
فلو قدر للنظام المدني الأول أن يتصرف بطرق ديمقراطية كما تم في جارتنا دولةالسنغال لكنا بالأمس قبل اليوم نعيش وبفعل التراكمات وحدها في أجواء الديمقراطية والتنمية الحقيقية. إن الإصرار على الإحتفاظ بالسلطة، ودعاية الإعلام الحكومي من أجل التمسك بالرئيس الملهم والرئيس المخلص، كل ذلك تم غرسه وتجذيره في الدولة والمجتمع منذ بداية نشأة الدولة، و بشكل يصعب تخطيه.
ومن هذا المنطلق فإن الحاضر يتطلب تقويم الماضي بشكل موضوعي، وتجاوزه بالإستفادة من اخطاءه، بغية بناء حاضر زاهر ومستقبل واعد، يعيش فيه الجميع بديمقراطية تنبذ القبلية والجهوية و الشرائحية والعنصرية، مستقبل يعيش فيه ديمقراطية الحرية والمساواة الحقة.
جعفر ولد الشرفه