خمسون عاما من الإستغلال والحيف والغبن ونحن لم نحمل سلاحا ولا حجرا ولم نهدد اللحمة الوطنية ولم نخرج على قانون الغاب السائد، خمسون عاما من نظرة التعالي والدونية ولم نشهر معولا ولم نركل قدحا لجار.. خمسون عاما من السكوت والهدوء لعل قلوبا ترق لحالنا وتسمع انيننا وتأوهاتنا او يقضي الله امرا كان مفعولا، خمسون عاما من خدمتنا لهذا الوطن إن لم تكن كافية لنعرف التعايش فلن نعرفه ابدا، خمسون عاما ونحن تائهون كالمستجير من الرمضاء بالنار ولم نرفع غير اصواتنا لعلها تسمع وتعاد لنا حقوق سلبت وكرامة أهدرت.
ايها الكاتب "الفذ" عكسنا نحن المغمورين ان مناضلي الحراطين تمسكوا بذلك النهج السلمي حتى "قضي بعضهم نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".. لتأتي انت لتعلمنا اليوم التعايش من خلال مقال(لمن لا يفهم التعايش) بمفاهيم ومصطلحات تسفه احلامنا لتبدو السيد كعادتك القديمة و المنظر والحكيم والمفكر الذي لا ينظر الى أبعد من رجليه، يكيل الشتائم احيانا ويؤجج النغمة والنعرات أحايينا اخرى ويمن علينا انه يقدم لنا فرصة للتعايش الذي ننشده أصلا لأنه يخدمه هو اولا كما يخدمنا، حيث بدأ يقسم الاتهامات ويقول: "بني وطني لا يفقهون التعايش ولا أساليبه" وهو ما يجسد لنا ان الكاتب من كوكب غير الذي نعيش عليه، او يصدق فيه قول الشاعر: وما انتفاع أخ الدنيا بناظره** إذا استوت عنده الأنوار والظلم.
ونحن هنا ندعو الله ان يأتي بسحائب تمطر بالتعايش والإنسانية على قلبه لعل ازهار تلك المفاهيم الجميلة تنبت فيه، فيقتنع ان الاختلاف مع الآخرين لا يجعله يكرههم او يعاديهم وانه لا يفسد للود قضية، لكن الكاتب المختار الذي يختفي خلف تلك (الصورة) التي ليست اكثر من شعار زائف يعلن حربا ضروسا على كتاب الحراطين بعد ظننا ان ولد المنير اطفئنا بتصحيح كلام له في مقاله دعوة لحسن التعايش –الذي رددنا عليه سابقا- ولعله يكون استوعب ووقف واستوقف وفهم أنه من حق كلِّ إنسان أن يعيش بالطريقة التي يحبها ويختارها ويقتنع بها دون قيود أو شروط، وان شريحة الحراطين لا تريد اقصاء الأخرين، كما فعل الكاتب حين غيبها من التاريخ -الذي قال ان علينا محاكمة من كتبه وتلك نقبلها منه-، ومع هذا تبقي شريحة الحراطين تريد حقوقها دون مس حقوق الآخرين من البيضان الذين يظن بعضهم ان حصول الحراطين على كل حقوقهم فذلك نهاية لمجده وإمبراطوريته التي بناها على حسابهم.
يا من قلت انك "كتبت لإطفاء ما ننوي نحن اشعاله من نسيج وحدتنا" فأنت عن أي وحدة تتكلم، مجتمع نصفه مشلول وجاهل ومسترق وامي وتقول الوحدة..وجود الظلم والفواق الإجتماعية المبنية على الباطل والعبودية والإقصاء وتقول وحدتنا.. غياب القانون وتطبيقه على الضعيف فحسب واستباحة ماله وعرضه وتقول وحدتنا.. أتريد وحدة لا ترضي ان نكون فيها مثلك في الحقوق..وحدة لا تمد يدك الينا كي نكون مثلك..بالله عليك ما هكذا مقومات الوحدة التي لم ولن تكتمل ما دمت تعيب علينا اذا قلنا اننا نريد حقوقنا وتصفنا بالحقد والأباطيل لأننا لا نوافق هواك، عفوا اخي واعذرك حين قلت ان مشكلة الحراطين بسيطة(الحصول على ترقية وظيفية، أو الحصول على مكاسب مادية) وتلك احلامهم التي تراها بسيطة، ودليل يبدو جليا على انك لم تشعر بالظلم والتهميش التي يعاني منه نصف مجتمك بسبب نظام ومنظمومة استعبادية ....فعلا لن نفهم التعايش الذي تدعوننا اليه لأنك تؤمن ببعضه وتكفر ببعض، اما قولك ان المدافعين عن قضية الحراطين يضرونها اكثر مما ينفعونها فتلك تهمة لا نقبلها منك، لكننا عرفنا ان البديل في نظرك هو (الهذيان والسكر) الذي - تعرف اكثر منا-..
كما لا يفوتنا ان ننوه انه ثمة إشكال عويص في موضوع التعايش في مجتمع توجد فيها مكونات عدة من "حراطين" و"بيضان" و"زنوج" و"امعلمين" و"ايكاون" والزناك الى الخ..، وهذا ما يوجب على جميع العقلاء من مختلف التيارات والأطياف الإيمان بأهمية تحقيق التعايش؛ لأنه هو السبيل الوحيد القويم والأمثل لبناء الوطن وتقدمه وازدهاره ونهضته بالشكل المنشود، وبالصورة المرجوّة التي نطمح لها على مختلف المنابر والأصعدة، لعلنا نلحق ولو بآخر مقصورة في قطار التقدم والحضارة والإنتاج والإبداع والرقي الذي يأباه البعض علينا.
للأسف الكاتب يبث سما ناقعا بقوله " ما هذا السرطان الفكري الذي أصاب هذا النوع من الكتاب؟ حتى يكتب عن موقف تمييز مزعومٍ مورس ضد من أصبح من أسمى موظفي الدولة الحاليين ورئيس إحدى السلطات العليا في البلاد مسعود ولد بلخير؟ أليس عمى الألوان هذا عنصرية؟" ونسي ان تلك التعيينات " نقطة في جنب ثور" وان مسعود لم يحصل عليها منة ولا فضلا منه ولا من بنى جلدته وللتاريخ دليل على تلك المراحل من وصفكم لـ "حركة الحر" بالعنصرية وحلكم "حزب العمل من اجل التغيير" الى المواجهة الشعواء مع مسعود وتلك الشعارات المناوئة له بالأمس التي يبدو ان ذاكرة كاتبنا لم تستحضرها، مشيرا الى انه لا ينبغى أن نركز على ظلم فرد واحد و نجعله قضية تاريخية نحاول إثباتها، فلم افهم قصده اليس هذا (الفرد الذي يظلم منا)، وهذا يثبت ان كاتبا لم يذق طعم الظلم والقهر ولم يحس بمعاناة واحد من المجتمع الذي يدعوه للتعايش فكيف تنسى دور الفرد في المجتمع وان " المؤمنون اخوة كالبنيان المرصوص يشد بعضه ازر بعضا"
وفي هذا السياق لابد لكاتبنا من إدراك الوعي بالإنسان من حيث هو إنسان، كما لا يمكن أن تكمن الإنسانية في احترامنا لمَن يمتلك النفوذ والجاه والمال والقدرة على المواجهة، بينما نتعامل في الوقت نفسه مع البواب بقاموس من الإهانات لمجرد كونه لا يملك إزاءنا ضرا ولا نفعا ، ومن هنا نحن نؤكد ان ضرورة الوعي بالإنسان تؤكد أن الإنسان : إما أن يوجد في وعينا كإنسان أو يكون غائبا كما الحال عند بعض اخوتنا البيضان، كما انه لابد ان يدرك الكتاب الذين امطرونا بردود حول التعايش-التي نحن لها- أنه لن يتحقق لنا التعايش السلمي في مجتمع واحد إلا بعد أن ندخل في جديلة التعايش على مستوى الفكر دون تسفيه طموحات وأحلام الحراطين التي لن نتنازل عنها وفي العمر بقية.
كما ارفع قبعتي لرفيق النضال الأستاذ ابراهيم بلال أعبيد على دره الشافي والكافي الذي حرك مداد الكاتب المغمور الذي يريد ان يعلمنا التعايش بعد الشتم والقدح.