تقدم رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، مسعود ولد بلخير، بمبادرة سياسية (تضمنها في كتيب من 37 صفحة)، وعرضها في قصر المؤتمرات بالعاصمة نواكشوط، يوم الاثنين 11-02-2013، أمام جمع كبير من مختلف الطيف السياسي الموريتاني.
وتأتي هذه المبادرة في ظرف خاص تطبعه جملة أمور من بينها الحرب في مالي المجاورة، وتداعيات الربيع العربي، والأزمة السياسية الناجمة عن انقلاب 2008 الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، بالإَضافة إلى تنامي المطالب الفئوية على مستوى الزنوج والحراطين وحتى لمعلمين، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية، وتفاقم البطالة، وسوء التسيير. فما هي هذه المبادرة؟ وهل ستفضي إلى توافق وطني يضع حدا للمأزق السياسي الذي تتخبط فيه البلاد؟
لقد اعترفت مبادرة ولد بلخير أن "البلاد تعيش حالة من التوتر السياسي منذ انقلاب 6 أغشت 2008 الذي أطاح بالرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله". وادعى ولد بلخير أن "مبادرته تبحث عن مقاربة ليس من مفرداتها "غالب أو مغلوب". مضيفا أن "الطريقة الأنجع لرفع التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية تتمثل في ضمان السير المنتظم لمؤسسات الدولة في مناخ سياسي وديمقراطي هادئ يجب خلقه فورا. ذلك ما يقتضي التكفل بهموم المواطن من عدالة وحرية وأمن ومساواة في الفرص وحق الاختلاف والتوزيع العادل للثروة والحق في التعليم والصحة والعمل والسكن".جملة أمور لا يمكن لمسعود إلا أن يكون من أدرى الناس بأنها صعبة المنال في المنظور القريب لأسباب ثقافية وبنيوية عويصة.
وقال ولد بلخير في مبادرته ان "تطبيق ما سبق يتطلب انتخابات شفافة يشارك فيها الجميع". مضيفا أن "اللامساواة واللاعدالة والتجاوزات المفرطة والتمييز والاقصاء الممنهج والجهل والبطالة والفقر والأمراض حقائق تضعف المجتمع وتعيق تكوين الجمهورية التي بدونها يستحيل تصور دولة القانون القادرة وحدها على التغلب على المشاكل التي تتعقد يوما بعد يوم. وإن على السلطات أن تفهم أن احترام الخصوصيات الإثنية واللغوية والثقافية والعرقية هي الضامن للوحدة وديمومة اللحمة الاجتماعية، والكافل الحقيقي للتناوب على السلطة".
وقال ولد بلخير في معرض آخر: "إذا كانت مطالب الزنوج تتلخص في تقاسم السلطة السياسية والاقتصادية والاعتراف بحقوقهم في الاختلاف في ميدان الثقافة واللغة، فإن مطالب لحراطين تتمثل في تكريس حقهم في الحرية والرفاه لأن ذلك هو السبيل الوحيد للنفاذ إلى معاملة عادلة ومتساوية بدون تمييز". وذكــّـر ولد بلخير بالحوار الوطني الذي رفض أهم أقطاب المعارضة المشاركة فيه، قائلا بأن المشاركين فيه "أوصوا بإنشاء وكالة وطنية للقضاء على الرق، ومضاعفة الإدانات القضائية حول ممارسة الظاهرة، واعتماد منهج التمييز الإيجابي لصالح الحراطين في المجال الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي، وإعادة دمج الموظفين الزنوج الذين فصلوا عن العمل على خلفية أحداث 1989 العرقية الدموية". وأن ذات الحوار أوصى على "تجريم الاستيلاء على الحكم بواسطة الانقلابات، والتنصيص على عدم قابلية تقادمها"(!!). وأضاف ولد بلخير أن "على الجيش أن يفهم أن تحقيق الأمن والحفاظ على الحوزة الترابية مرتبطان بعزوفه الصادق عن العمل السياسي". وشدد ولد بلخير على أن "كل هذه التوصيات تدخل في إطار المطالب التقليدية للمعارضة. وقد تحقق بعضها". معتبرا أن "الحوار كان دليلا قويا على إرادة الرئيس في بناء جمهورية جديدة تحترم الحقوق والحريات".
وقال ولد بلخير ان "غياب الترخيص لوسيلة إعلام (إذاعة، تلفزين) ناطقة باللغات الوطنية (البولارية، السونينكية، الولفية) مسألة يؤسف لها لأن دور السلطة العمومية يكمن في الحفاظ على التوازنات الكبرى". وتطرق ولد بلخير للمشكل العقاري الذي يعاني منه العبيد السابقون، مطالبا بأن تمنح لهم ملكية الأراضي التي يزرعون.
وقال ولد بلخير انه "بدون التزام السلطات العمومية بإيجاد حلول مرضية لهذه المشاكل الملحة، فسيكون من الصعب احتواء الامتعاض الذي يعبر عن نفسه بشكل أكثر عنفا منددا بالتفاوت الكبير والفوارق التي أصبحت لا تطاق". فيما قال: "إنني أعترف شخصيا للرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه كانت لديه الشجاعة الكافية لتغيير بعض العادات السيئة المتجذرة، لكنه لم يكن باستطاعته تصحيح اختلالات الإدارة".
وقال ولد بلخير: "إن حرصي على الموضوعية يفرض مني أن أعترف بأن رئيس الجمهورية لم يكن قليل الانجازات في كل شيء، وهكذا فإنه أنجز أمورا كثيرة في مجالات تحسين شبكة الممرات وتعبيد الطرق والقضاء على أحياء الصفيح والكهربة وبرنامج "أمل" لمكافحة مخلفات الجفاف".
وقال ولد بلخير ان "الربيع العربي جاء وكأنه إغراء يجسد مطالب المواطنين التي تفاقمت بفعل الحالة المأساوية الناتجة عن ضعف الرواتب والتضخم والركود الاقتصادي والحرمان والتمييز والشعور بالحيف واتساع نطاق الفقر". وأن "أصحاب النوايا السيئة ركبوا موجة الوضع القائم. ولحسن الحظ لم تتكلل محاولاتهم بالنجاح رغم نشاط مناضلي "لا تلمس جنسيتي" و"مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية" الراغبين في التعبير عن نفاذ صبرهم ولو كان الثمن حربا أهلية"، على حد تعبيره. دون أن ننسى أن ولد بلخير كان أول سياسي يعلن للملإ أنه ضد الربيع العربي، وأنه ضد الثورات مبدئيا، بل وصل به الأمر حد التهكم بالرمز بوعزيزي في تصريح شهير.
وأكد ولد بلخير أن "التسيير الاقتصادي ظل كارثيا لأن البلد يعد فاحش الثراء بصيده وذهبه وحديده ونحاسه، بينما لا يحس فيه المواطن بهذه الثروة لا في راتبه ولا في مطبخه ولا في التجهيزات القاعدية للبلد".
وفي الجانب الاجتماعي، تساءل ولد بلخير: "هل من وصف أصدق تعبيرا عن تردي الأوضاع من تفاقم ظاهرة الانتخار؟ هذا التصرف التراجيدي ينم عن فقدان المرجعيات كما ينم عن أن ضغط الحاجة أصبح لا يطاق".
وقال ولد بلخير ان "الإرهاب الاقليمي والمحلي والجريمة المنظمة (المتاجرة بالمخدرات) يعتبر الخطر الأكبر على استقرار وأمن البلاد. وقد أدى إلى اغتيال العديد من قواتنا المسلحة واغتيال أجانب ومعارك في شوارع نواكشوط وأخذ رهائن وسيارات مفخخة".
مضيفا أن "احتلال مالي من قبل مجموعات إسلامية متطرفة وجماعات تهريب المخدرات يحمل في طياته خطرا كبيرا بإمكانه تهديد وجود موريتانيا".
كل العلاقات السياسية سيئة
وصف مسعود ولد بلخير في مبادرته العلاقات بين مختلف الأطراف السياسية الموريتانية بـ"السيئة". وقال: "العلاقات السياسية سيئة بين رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم الذي يشتكي من عدم المشاورة وعدم الاشراك في اتخاذ القرار. وهناك علاقات سياسية سيئة بين رئيس الجمهورية وأحزاب المعارضة المحاورة المدعوة "المعاهدة من أجل التناوب السلمي" التي كان من اللازم أن تكون شريكا سياسيا يحظى بتشاور فعلي؛ لأن منطق الشراكة بين السلطة والمعارضة يفرض على الأولى التخلي عن الإنفراد بالقرار. لقد بدأت المعاهدة تفكر أكثر فأكثر في الابتعاد عن تموقع لم يوصل البلاد إلى تسيير هادئ وتوافقي للسلطة". (تهديد مبَـطــَّـن بالعودة إلى صف المعارضة الراديكالية!). وأضاف مسعود، بشأن السوء الذي يكتنف كل علاقات الرئيس: "هناك أيضا علاقات سيئة بين قطبي المعارضة (المعاهدة والمنسقية) والتي وصلت لدرجة القطيعة. وأسوأ علاقة هي القائمة بين رئيس الجمهورية وزعماء منسقية المعارضة. ويتمثل سوء علاقاتهما بالتباغض الذي أدى إلى تجاهل بعضهم البعض؛ خاصة أن رئيس الجمهورية يبقى منغلقا أمام أي تشاور مع المنسقية".
وقال ولد بلخير: "إذا كنا نأسف لحدة خطاب منسقية المعارضة ورفضها الحوار ونتائجه، واعتمادها شعار "ارحل"، فإننا نأسف كذلك لكون رئيس الجمهورية لم يدعم ولم يواكب الحوار ونتائجه بإرادة واضحة في الانفتاح بهدف لمّ الشمل. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس لم ير في الحوار سوى عملية ميكانيكية تتجلى في إجراءات متتالية، بدل أن يرى فيه مقاربة أخلاقية وفلسفية وسياسية تهدف إلى خلق مناخ ملائم لاحتواء التوترات ولإقامة علاقات إنسانية متحضرة بين مواطنين متعارضين، لكن ليسوا متعادين".
حكومة الوحدة الوطنية
كل الـ 37 صفحة التي تضمنها كتيب مسعود ولد بلخير عبارة عن مقدمة طويلة، أو وصف -من منظوره الخاص- للواقع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، أراد من ورائه أن يصل للنقطة الوحيدة التي انبنت عليها المبادرة؛ ألا وهي حكومة الوحدة الوطنية. إذن كل ما تقدم ليس إلا قراءة إنشائية يسعى من خلالها رئيس البرلمان الموريتاني إلى جعل الفرقاء يتحاشون الاختلالات التي عدد فيها. لكنه توصل في النهاية، وبجهد جهيد، إلى النقطة الوحيدة البارزة التي تأسست عليها المبادرة؛ وهي "تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات وفاق عريض، محددة في مهامها وتشكيلتها وحدودها الزمنية، وتحظى بالمزيد من الاستقلالية وحرية التصرف". وقال ان على هذه الحكومة أن "يقودها وزير أول توافقي له صلاحيات واسعة". واعتبر ولد بلخير أن حكومة الوحدة الوطنية المطلوبة لا يمكن أن تكون فاعلة ومقنعة إلا إذا شاركت فيها "الأغلبية الرئاسية، ومنسقية المعارضة، والمعاهدة من أجل التناوب السلمي، والمجتمع المدني". وقال بأن مدتها "تقتصر على الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات البلدية والتشريعية".
ومجمل القول أنه لا يعرف حتى الآن ما السبب وراء إصرار مسعود ولد بلخير على تقديم مبادرة من نقطة وحيدة يعرف سلفا أن رئيس الجمهورية، الماسك لزمام الأمور، رفضها مسبقا وفي عديد المرات!!. كما لا يمكن فهم جدوائية هذه المبادرة في وقت رفض فيه بعض أحزاب المعارضة مجرد حضور فعاليات إطلاقها تعبيرا منهم لرفض أية فكرة لحل سياسي لا يأخذ في الحسبان ضرورة رحيل النظام. مع العلم أن أهم أحزاب المعارضة (اتحاد قوى التقدم، تكتل القوى الديمقراطية، تواصل، إيناد) غير متفقة على كيفية التعاطي مع فكرة المبادرة أصلا. من هنا يمكن أن نفهم قول البرلماني محمد محمود ولد لمات، في تصريح صحفي، بأن "مبادرة مسعود ولدت ميتة".
ردود أفعال بشظايا المشهد السياسي
وتباينت ردود الافعال السياسية، بشأن مؤشرات قبول أو رفض "مبادرة رئيس الجمعية الوطنية"، مسعود ولد بلخير.
التباين، لم يكن بين الموالين للمبادرة والرافضين لها فحسب، وإنما بدا التباين في التصريحات الصادرة عن ممثلي أحزاب المنسقية التي يفترض أن تتخذ موقفا موحدا من المبادرة، فتراوحت هذه التصريحات: من رفض مطلق للمبادرة، إلى "تمني أن يكون للبادرة دور"، لحد "إعلان الموافقة التامة بشأن نقاط منها".
ولم يقتصر التعارض بشأن الموقف من المبادرة، على منسقية أحزاب المعارضة فحسب وإنما بدت مواقف بعض أحزاب المعارضة، غير منسجمة مع موقف الحكومة المعلن حتى الآن، وهو ما يؤشر على عدم انسجام مع موقف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا.
التكتل وبوادر الرفض المطلق
محمد محمود ولد امات، نائب رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، أكد – في تصريح لـ"صوت العمال"- أن "مبادرة مسعود تثبت أمورا ثلاثة إذ تؤكد من جهة أن الازمة السياسية موجودة وحقيقية، وهذا ما يفهم من خلال نصوصها، أما الامر الثاني الذي تفيده، فهو أن الحوار الماضي، لم يوفق في حل الأزمة، كما أنها وهذا هو الامر الثالث، تؤكد أن الأزمة لا يمكن حلها إلا بالإجماع ، وبعيدا عن أجواء الدكتاتورية والأسلوب الديكتاتوري الذي يدار به البلد حاليا".
أحزاب في الأغلبية تناقض الحكومة بشأن المبادرة
أما المصطفى ولد اعبيد الرحمن، رئيس حزب التجديد، الذي يعتبر أحد أهم أحزاب كتلة "اللقاء" المنضوية ضمن الأغلبية، فقد أعتبر "أن مبادرة مسعود هي الحل الأمثل للأزمة، وأن المجتمع المدني بكل أطيافه، يساندها في مبادئها وتحليلها للواقع وفي كل تفاصيلها".
واعتبر ولد اعبيد الرحمن، أن "هناك أحزابا في منسقية المعارضة، من ضمنهم محمد ولد مولود، صرحوا على أثير التلفزة الموريتانية، أنهم مستعدون لدراسة المبادرة".
وحول تصريحات ولد محمد الاغظف، التي اعتبرت رفضا لمبادرة مسعود، قال ولد اعبيد الرحمن ان "موقف ولد محمد الأغظف ليس الموقف الأنسب من المبادرة، بالنسبة لأحزاب اللقاء الوطني".
تواصل يتمنى "دورا للمبادرة في حل الازمة"
بدوره عبر رئيس حزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية، "تواصل"، عن "الأهمية التي تحظى بها المبادرة، والتي قال إنها "تستمدها من مصدرها، رئيس الجمعية الوطنية".
واعتبر ولد منصور، أن المبادرة تثبتبما لا يدع مجالا للشك، وجود أزمة سياسية، في موريتانيا، لم يستطع الحوار الماضي حلها. وتمنى ولد منصور أن "يشهد البلد انفراجا من الواقع السياسي الذي يعيشه، وأن يكون للمبادرة دور في هذ الانفراج.
مسؤول الاعلام بذات الحزب، أحال- في تصريح لصوت العمال -، إلى أن موقف تواصل النهائي من المبادرة، سيكون منسجما مع موقف موحد ستصدره أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية، بعد دراستها لمبادرة مسعود، وتمنى مسؤول الاعلام على غرار رئيسه أن "تكون المبادرة أرضية صلبة لحوار جاد"، مؤكدا على "أهميتها".
اتحاد قوى التقدم و مسعود والقاسم المشترك
أما رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، محمد ولد مولود، فقد اعتبر على هامش حفل إعلان المبادرة، أن "المعارضة الموريتانية لم تتخذ بعد موقفا نهائيا، من المبادرة التي قدمها رئيس حزب التحالف الشعبي مسعود ولد بلخير.
وأكد ولد مولود أنهم في المعارضة،"يلتقون في رؤيتهم لحل الأزمة السياسية مع مبادرة ولد بلخير، في نقطة أساسية تتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، قادرة على العبور بالبلاد نحو تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة".