بعد طول انتظار خرج الكولونيل أخيرا عن صمته، جاء البيان مفصلا أكثر من اللازم والمعهود وخاض في كل الأشياء والتفاصيل حتى تلك منها المملة، وأطلت كل أنواع الشياطين المضجرة برؤوسها من بين سطوره وكلماته ونقاطه وفواصله. دافع ولد محمد فال باستماتة عن صديقه ونديمه وغريمه القديم ولد بوعماتو وكال النقد كل النقد لرفيقه في درب الثالث من أغسطس، وساكن القصر الرمادي من بعده، ولد عبد العزيز، وتلك أيام تداولها مواسم السياسة الموريتانية بين الكولونيل والجنرال ورجل الأعمال. لكن الواقع هو أن البيان لم يأت بجديد، فالجميع بات على يقين تام من أن "عطر منشم"، قد دق بين الكولونيل السابق و الجنرال السابق منذ زمن بعيد، كما أن موقف ولد محمد فال مما بات يعرف ب"قضية ولد بوعماتو"، بين و لا يحتاج إلى بيان.
ولذلك فإن البحث عن الجديد في بيان الكولونيل يحيلنا حتما إلى ما وراء كلماته وأسطره التعبة والمرهقة، و إلى سؤال مقلق بات يستوطن كل الشفاه هذه الأيام: هل توجس الكولونيل خيفة من أن يكون التالي، فأراد أن يستبق الأحداث؟
ومع أنه من الصعب جدا التنبؤ بالتالي ومن يكون الموالي، إلا أن ما يتم تناقله بين الفينة والأخرى على صفحات المواقع الالكترونية، من وخزات يتعرض لها الكولونيل بين الحين والآخر، يفصح ضمنيا بأن اسم الرجل يوجد منذ ردح طويل على القائمة، وأنه في مرات عديدة كان قاب قوسين أو أدنى...، لولا أن طرأت أشياء أخرى .
فهل توصل الكولونيل أخيرا إلى قناعة مفادها أنه تم نفض الغبار عن ملفه، وأن الأمر بات مسألة وقت لا غير، فأراد أن يستبق الأحداث ببيان يعيد فيه التأكيد على موقفه من النظام الحالي ويعلن من خلاله التضامن مع ولد بوعماتو، قبل أن يأتي يوم لا بيان فيه ولا إعلان؟. احتمال وارد بل ووارد جدا...
ألم تعلمنا الأحداث، بأن كل الاحتمالات مفتوحة وواردة، في وطن لم يعد يفوت لا واردة ولا شاردة؟.
آراء حرة