نجح المجتمع الموریتاني البدوي في محاصرة الفساد بانتھاج خطة مدروسة بینما لم تنجح الدولة المنظمة في وضع حد للفساد المتفاقم.
.1 فعندما كان الحي (لفریك) یعیش على الحلیب الذي تدر بھ الضروع آنس الناس خطر الرعاة غیر الأمناء وأصبح ملاك الأنعام یحتاطون بحظر اصطحاب أوان یمكن أن تستخدم في حلب الأنعام قبل رجوعھا للحي وحلول وقت "العتمة" ولما تبین أن بعض الجشعین قد لا یتورع عن الانحناء لیرضع البھائم عندما یخلو لھ الجو لم یجد الناس أنجع من تجریم الرضاعة واعتبارھا معرة وعیبا شنیعا فمن یرضع الأنعام (ارظیظیع) خسیس دنيء لا اعتبار لھ في المجتمع مثلھ مثل السارق الذي یمد یده لأموال الناس.
.2 وبعد أن كان المختلس منبوذا في المجتمع الموریتاني البدوي تغیر حالھ وحسن ذكره مع التحضر وبدأ الفساد یتفاقم ویصول حتى وصل مستویات قیاسیة وجد في ظلھا كبار السراق مكانة واعتبارا.. لم ینتبھ المجتمع المدني، بسبب البداوة، إلى ما ینجم عن الفساد في الوسط الحضري من جوع وفاقة، لا تعود لفقد ما یغیب علیھ المفسدون من خیرات الشعب فحسب وإنما لما تسببھ ممارساتھم المشینة والضارة من طرد الاستثمارات الجادة التي تنفع الناس وتمكث في الأرض.. ولم ینجح كبار اللصوص في تجنب العقاب فحسب وإنما أصبح بعضھم من سادة المجتمع ومنتخبیھ.
3 وأدركت البشریة خطر الفساد وعدم جدوائیة مواجھتھ المنفردة فسعت المجموعة الدولیة إلى التعاون على تطویقھ وصادقت جل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتفاقیتھا المناھضة للفساد وأصدرت الدول تشریعات رادعة لتضییق الخناق على السراق.
.4 وبینما یكتوي الموریتانیون بنار الفساد وتضیق أرزاق أغلبھم وتھاجر كفاءاتھم ینبغي أن یدركوا أن العقوبة المقررة في القانون، على الرغم من لزومھا، إلا أنھا غیر رادعة بما یكفي ما لم یساعدھا المجتمع بعقوباتھ والتعبیر عن ازدرائھ للمفسدین ومن شاكلھم.
.5 ینبغي على السلطات أن تسعي لإعادة تثبیت البرمجة الأخلاقیة للمجتمع وتفعیل معاییره فمن یسرق ممتلكات الدولة أرذل وأشد خطرا ممن یسرق الممتلكات الفردیة ومن یسرق الملایین أكثر ضررا من سارق الألوف.
المحامي/ محمد سیدي عبد الرحمن