الزموا منازلكم تقوا أنفسكم
أفضل هدية يمكنك تقديمها للصحفي هي تمكينه من الوصول لمناطق حدودية بعيدة في مثل الظروف التي نعيشها اليوم.
منجز هذ التحقيق سنحت هذه الفرصة عندما رافق بعثة حكومية إلى ولاية لعصابة لتغطية عملية التكفل بمجانية المياه في الوسط الريفي التي أطلقتها وزارة المياه والصرف الصحي مؤخرا.
رحلة...بألف حكاية
شخصيا كنت شاهدا على صراع بداخلي حول الرحلة نفسها نتيجة الخوف من الظروف المناخية والصوم تحت درجة حرارة تتجاوز أحيانا الأربعين درجة لكنه في النهاية تغلب شغف الصحفي على هواجس الإنسان.
غادرنا العاصمة انواكشوط في وقت الظهيرة كنا أربعةأشخاص ( مشرف ومهندس وصحفي وسائق) على طول الطريق كانت تستوقفنا نقاط التفتيش للتأكد من سلامة الإجراءات وتفاوتت صرامة هذا التفتيش بين النقطة والتي تليها. أغرب ما لاحظته هو حالة التبرم التي لا يخفيها بعض ضباط نقاط التفتيش مما يعتبرونه ( وفرة) في أذونات المرور في ظرف يقتضي منحها صرامة تستلزمها الظروف الصحية التي تمر بها البلاد.
وصلنا مدينة كنكوصة صبيحة الغد من يوم سفرنا. بدأنا بحاكم المقاطعة ( عين في نفس. اليوم في منصب إداري أعلى ) كما يقتضي لبروتكول كما أخبرني المشرف على الرحلة.
فور وصولنا مبنى المقاطعة ترأس الحاكم اجتماعا ضم عمد بلديات المقاطعة رفقة مسيري تقاط المياه فضلا عن أحد نواب المقاطعة. سيطر على الإجتماع حديث مشاكس فرضته ثلاثية: العطش، التسلل، الأعلاف.
البعثة التي جئت خصيصا لتغطية أنشطتها خلصت في نهاية ذالك الأجتماع إلى وضع خارطة طريق لنقاط المياه التي توزعت بين بلديات المقاطعة الخمس ( كنكوصة، ساني، ابلا جميل، تناها، هامد).
استقالة محزنة
في صبيحة يومنا الثاني بدأنا رحلة الإطلاع ميدانيا على المهام المنوطة بالبعثة بدأتا ب ( الفرع) وانتهينا ب( باب السلام).
لمدة أسبوع كامل قطعنا من مساحة المقاطعة الحدودية 1325km ( على عهدة عداد السيارة) .
المنظر العام ل 265 تجمعا قرويا زرته يوحي بحالة فقر مدقع تحاول ابتسامة ودفئ مشاعر السكان أن تخفي بعض ملامحه. لكن انعدام الحيلة أكبر شراشة من أن يختفي وراء وداعة لا تخطؤها العين في سحنات السكان المحليين.
وعورة الطريق وحالة العزلة وترهل الخدمات الأساسية من صحة وتعليم أبرز العوائق أمام ولوج قطاع عريض من الساكنة إلى حياة طبيعية.
أكثر القصص إيلاما في هذ الموضوع بلدة ( عين التيس) حيث يدخل الأطفال في البلدة عامهم الدراسي الثاني دول معلم بعد أن فرضت عليهم صراعاة الساسة الإنحناء لهذ الواقع.
لأن المنطقة حدودية يعتمد كثير من سكانها في أغلب حاجياتهم على الجارة ( مالي) لكنه نظرا لخالة إعلاق الحدود بسبب كورونا تأثرت قطاعات عريضة سلبا من هذه الوضعية.
في عاصمة بلدية تناها كان ( الصوگ) كما يشميه السكان مغلقا حيث تعود التجار هنا من طرفي الحدود الإلتئام في موعد أسبوعي يصل حجم التبادلات التجارية خلاله عشرات الملايين من الأوقية كل أسبوع. نفس الحيوية الإقتصادية تنطبق على قرى كثيرة في المقاطعة مثل ( تگلوزه) وغيرها.
أكثر ما يلفت الإنتباه على الحدود هو كثرة استخدام الدراجات الهوائية كوسيلة نقل مفضلة في المنطقة نتيجة التأثر بسكان المناطق الحدودية في مالي. وفهمت من بعض السكان أن شيوع التهريب ساهم أيضا في تفضيل المركبات فائقة السرعة للتخلص من نقاط التفتيش المنتشرة.
تتميز المقاطعة بأنها رعوية بامتياز ويكفي للدلالة على هذا الأمر أن مسير ( ول أغروگان) أخبرني أن 3000 رأس من البقر ترد يوميا لتروي عطشها من البئر.
الغلاف النباتي في المقاطعة لا يلبي الحاجة ومن هنا فإن المنمين ليسو مرتاحين بما يكفي تجاه عملية توزيع الأعلاف التي أعلنها الحكومة ويستأثر عمد البلديات بنصيب الأسد من تهم التقصير التي يطلقها منمو المقاطعة.بيد أن للعمد رأيا مغايرا. خلاصة الأمر أن الوضعية العامة للمواشي التي شاهدتها ليشت بذالك السوء الذي تعرفه مناطق موريتانية أخرى نتيجة ربما لإنشار الأشجار المعشبة ووفرتها في المنطقة.
شخصيا لست متأكدا إلى الآن مما إذا كان حسن ظن القطاع الوزاري الذي أتاح لي هذه الفرصة في محله. لكن الأكيد هو أنني استمتعت كثيرا بالرحلة رغم صعوبة الطريق وقسوة الظروف غير أن سعادتي ستبقى ناقصة ما لم يفهم صناع القرار في البلاد وأرباب السياسة المحلية أن الطيبوبة التي يتمتع بها سكان المقاطعة ليست مبررا للإستقالة من تحمل المسؤولية اتجاه مشكل التنمية. فمن المخجل أن ترى بأم عينيك مواطنين يلبسون بالكاد ما يستر أجسادهم ويصارعون الجهل والأمراض وغياب مستقبل واعد لا لذنب اقترفوه سوى أنهم قرروا بشموح الثشبث بالاقامة على أديم الأرض التي ولدا فيها وترعرعوا في ربوعها.
كنكوصة: محمد ولد احمدو
28 نوفمبر