تهافت مكونات الحقل القضائي على المنسي من حقوقها لعدة عقود، والميؤوس منه في بعض الحقب السابقة ، يعطي صورة واضحة ، أن شيئا جديدا حصل في تعاطي وزارة العدل مع الملفات المتضمنة تلك الحقوق، ولن يعدم من بحث عن الدليل برهانا لذلك ، فقد طبعت الأشهر المنصرمة تجاذبات كثيرة ورآى مختلفة ، حول ما يدور في كواليس الوزارة ، مما تم تصنيفه من قبل البعض إصلاحا لأنه صادف هوى في نفوسهم ، وصنفه آخرون تخبطا وضعفا في الأداء لأنه لم يكن على الكيف المنتظر من طرفهم ، وهي طبيعة أصحاب الحقوق المختلفة ، ودوت البيانات والتدوينات والتصريحات بكل الطرق ، تنديدا وتأيدا ومباركة و دعوة لإرجاع الأمور إلى نصابها ، في نظر البعض ، وكأنها خرجت عن الصواب ، وترى من ينشدون في رحلة بحث عن سلامة مسار ما يصفونه إصلاحا بدأت بشائره، وفي هذا الخضم تولدت مفاهيم لدى الرأي العام ، وكتب البعض عن أزمات في القطاع ، ودارت أحاديث حول مستقبل بعض المكونات ، عضدتها بيانات ربما استعجل اصحابها الأمور، وربما لم تلامس العملية ما يرونه سبيلا للإصلاح، وأنا هنا لا أريد ان أجرح أحدا ، أريد تسمية الأشياء بأسمائها، هي إكراهات الإصلاح ، الذي قد لايرضى عنه الجميع مالم تظهر نتائجه ، وحالة صحية تمثل دليلا على تأثيره في محل الخلل ، الذي هو العادات البدائية ، والنظرة التقليدية للعلاقات المهنية ، وعدم تقبل التغيير ، وربما مفاجأته ، وهنا انبه على أن رياح تغيير المؤسسات والنظم القضائية عاصفة رغم كل أحزمة التقاليد والأنماط ، لأن تيارات مختلفة دولية تغذيها ، ولكن لصالح الجميع .
فعلا يجب ان يبدأ الإصلاح من مؤسسة القاضي بجعله في ظروف مريحة ماديا ومعنويا ، حتى يكون طلب العدالة مبرر ، وحتى يتبوأ المكانة اللائقة ، بقضاء قوي يصلح ملاذا لأصحاب الحقوق، ويستحسن إشراكه في كيفية ذلك.
لكن إصلاح مؤسسة القاضي دون المكونات الأخرى ومن بينها كتاب الضبط ركيزة العمل القضائي ، ومن يتولون الجانب الإداري من عمل المحاكم ، ومن يضمنون نجاعة المنتج القضائي بإخراجه وأرشفته وتسييره ، باعتبارهم فنيو إجراءات ، وأمناء ضبط ، وشهود على عمل المحكمة وشركاء في صناعة الحكم ، إذ تصرف لهم الدولة علاوة معتبرة تسمى علاوة المساعدة في تحرير الحكم .
كما لا يمكن وقوف القضاء شامخا الا بأساساته الأخرى ( أعوان القضاء ) الذين يجب أن يتناولهم الإصلاح بكل ما ؤوتي رواده من حكمة وخبرة .
وتزاحم كل هذه المطالب ، واستعجال أصحابها نتائجها يدفع إلى خلق ظواهر مربكة ، يفسرها الآخر أزمات ، او ترهلات في العمل الإداري ، ونحن في داخل القطاع نراها حالة صحية ودليل نجاعة عملية الإصلاح ، ونموذج من إكراهاته.