دخلت الحرب الفرنسية علي الجماعة السلفية المتشددة في شمال مالي اسبوعها الثالث، ومازال الموقف الموريتاني لم يتحدد بعد ، وهو ما جعل الكل يتساءل عن موقفها بشكل واضح وجلي . رغم أنها تعتبر من الدول الفاعلية والمؤثرة في المنطقة وخصوصا في هذه الظرفية الصعبة والدقيقة التي تعيشها المنطقة . فقد صرح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في لقاء سابق له مع بعض وسائل الإعلام بأن موريتانيا لن تشارك في الحرب علي القاعدة في شمال مالي ، وهو ما تأكد من خلال تصريح الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني بأن موريتانيا لن تشارك في الحرب الفرنسية علي القاعدة . رغم أن الرئيس الفرنسي افرانسوا أولاد في قمة دبي الأخيرة طلب من الرئيس ولد عبد العزيز مشاركة موريتانيا في الحرب ، وكان رد الرئيس ولد عبد العزيز بأن موريتانيا مستعدة لتقديم ما تطلبه الحكومة المالية منها ، وهو ما اعتبره البعض إشارة بإمكانية مشاركة موريتانيا في الحرب وهو موقف فيما يبدو ان الرأي العام الوطني منقسم بشأنه ، فهناك من يري أن هذه الحرب هي حربة صليبية علي المسلمين ويري وجوب أو ضرورة نصرة المجموعة السلفية المتشددة وقد تمثل هذا في الفتوى التي قيل أن مجموعة من العلماء اصدروها خلال الاسبوع الأول من الحرب ، هذا إضافة إلي ما امتلأت به مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية و الصحف من تنديد بها ، وهي كلها مواقف تصب في اتجاه رفض الحرب ، وهم يرفضون تدخل موريتانيا في الحرب ، ومع ذلك فإنهم تناسوا ما تعرض له حماة الوطن والحدود في ، لمغيط - وتورين - والقلاوية ، والهجوم الذي تعرضت له ثكنة الدرك في عدل بكرو واختطاف الدركي منها. أليست هذه الجماعة الإرهابية هي من قام بكل هذه الأعمال الفظيعة والشنيعة التي تعرضت لها وحدات من الجيش في هذه المناطق.
متي كان قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق جهادا ؟ أم أن دماء هؤلاء الجنود أغلا منها واشرف دماء المتشددين السلفيين الذين رملوا النساء ويتموا الأطفال ، هذا إضافة إلي تهديد مصالح البلاد وأمنها واستقراراها .... ثم كيف يمكن اعتبار الإعتداء علي الغير جهادا ، ألم تعتدي هذه الحركات السلفية علي الأراضي المالية واحتلتها عنوة ؟ ألا يحق للماليين تحرير بلادهم ، وطلب العون من الغير.... وهو موقف أو تعاطف لا يمكن تقبله إلا إذا كنا نعتقد أن كل ما يقوم به الإرهابيون من أعمال هي شرعية وجهاد مقدس ، وهو ما يوحي بأن لهم ظهير يبارك كل ما قاموا به ويقومون.
أما الراي الآخر فيرفض التدخل في الحرب لكن لا يري وجوب نصرة المجموعات السلفية ، ويفضل أن يكون موقف البلاد نابعا مما تمليه عليها مصالحا مع الجارة من جهة ، ومع باقي دول المنطقة من جهة أخري .
نحن أكثر دول المنطقة التصاقا بمالي فبيننا الكثير من علاقات المودة والجوار التي يعتبر الحفاظ عليها واجب علي نظام البلدين مهما كانت الظروف والأحوال ، فعندنا مع مالي حدود شاسعة تزيد علي 2000 كلم ، وهي حدود تقع عليها خمس ولايات ( الحوضين ، لعصابه ، كيد ماغه ، كوركل)،هذا إضافة الجالية الموريتانية التي تقطن في مالي لممارسة التجارة ، ورعي الماشية ، كما أنها معبر للموريتانيين المتجهين إلي ساحل العاج أو الكونغو وكذلك بعض الدول الإفريقية الأخرى ووضع كهذا يحتم علي النظام الموريتاني اتخاذ موقف يخدم مصلحة البلاد والعباد ويحفظ ماء الوجه اتجاه الطرف الآخر،أي " رمي عصفورين بحجر واحد" أو "الزركة الكاتله طيرين".
ورغم هذا كله يبقي دور موريتانيا محوريا وبالغ الأهمية في كل ما يجري وما يدور حولها وعلي حدودها من أحداث وتطورات، وهو ما يفرض علي قيادة بلدنا دراسة أي موقف سيتخذ سلبا أو إيجابا ، وهو موقف تتنازعه مجموعة من المعطيات والمصالح التي يجب وضعها نصب الأعين ومراعاتها طبقا لما تمليه علينا مصالحنا سواء مع الدولة الجارة أو مع الدول الأخري في المنطقة،خارج المنطقة ، ومن بين تلك المصالح والمعطيات :
* علاقات الجوار والقربي والتداخل بين الشعبين التي تربطنا بالدولة صاحبة الشأن ، ويجب أن يكون موقفنا اتجاهها يطبعه نوع من الإيجاب .
* غايتنا إلى التعاون مع الآخر في سبيل مكافحة الإرهاب والقضاء علي كل اشكاله التي تهدد دولنا والمنطقة من حين لآخر ، اعتبارا أن موريتانيا هي أول من اكتوى بنيران هذه المجموعات الإرهابية . وهي حرب لها مالها وعليها ما عليها .