من المشاكل الشائكة والتي باتت اليوم كابوسا يؤرق حياة المواطنين وينغص عيشهم؛ معضلة "الاستعباد العقاري" التي باتت أهم مستودعات الاسترقاق؛ وآخر جيوبه! حيث أصبحت ارض الله الواسعة وحوزة الوطن الدافئة عصا مسلطة على رقاب العباد ووسيلة للتضييق عليهم وتصفية الحسابات السياسية معهم... سعيا إلى تهجيرهم.. وإقصائهم من حقوقهم التي يتصدرها العيش الكريم بكل أبعاده.. لا لشيء سوى أن اعناقهم تاقت إلى استنشاق نسائم الحرية وعلت أصواتهم المطالبة بحقهم في المشاركة.
فبدل أن يتسع الوطن لجميع أبنائه على اختلاف ألوانهم وانتماءاتهم تأويهم أرضه وتظلهم سماؤه.. و في تحدي سافر لتوجهات الدولة الرامية إلى ترسيخ قيم المواطنة والتعايش بين ابناء الوطن الواحد.. يسعى بعض السياسيين منتهي الصلاحية بعد ان وقف حماره في العقبة ودارت عليه دائرة ممارساته الخارجة عن سياق الزمن وانساق الحياة المجتمعية في قالبها العام.. أن يمسك آخر أوراقه بعد ان تهاوت العروش المبنية من عرق الفقراء وتلاشت كل الصور المزيفة التي كانت تملأ الذاكرة المجتمعية خرافة وتضليلا .. وتكسر جدار الصمت الذي طالما شكل ملاذا آمنا للاختباء في وجه نور الحقيقةالكاسح .. وخفتت الأصوات المبحوحة التي شكلت هي الأخرى أهازيج لتلميع صورته.. فتداركا لما تبقى من أطلال حاكمية الأستعمار وأذنابه جعل عبثا من الملكية العقارية طوق نجاته!
فحرك ادواته المحلية الطيعة! واستخدم طرقه الملتوية التي اعتاد السير فيها عقودا من الظلام؛ لفرض حصار جائر على السكان؛ لتكميم افواههم وفرضهم على الرجوع إلى اقبيته المظلمة بعدما اخترقتها أنوار الوعي الجماهيري. فبعدما كان ميدان زحام السياسي المنتخب منابر الشعب المفتوحة؛ وطرق أبواب المصالح العمومية صيانة لأمانته وتأدية لرسالته المتمثلة في إيصال أصوات الشعب الذي حمله على اكتافه بشق الأنفس حتى وصل إلى حيث تناهت رؤاه وأحلامه.
يخرج علينا السياسي المنتخب اليوم مستقيلا من مسؤولياته موليا ظهره لهموم الشعب ومشاكله مستبدلا بمعارك التنمية ومقارعة الفقر والجهل .. معارك جانبية خاسرة!! مع مواطنين عزل على قطعهم الأرضية التي عمورها لعقود خلت..
والحديث هنا عن قرية الرشيد (2) شرقي مقاطعة كيفه ببلدية اقورط ؛ ففي العام 1993م حصل سكان القرية على قطعة أرضية على طريق الأمل بهدف استغلالها لغرض التقري؛ تم منحها لهم من طرف إخوتهم وأهل جيرتهم من سكان المنطقة بعد طلب جماعي تقدموا به؛ فاستقبلوهم فاتحين صدورهم وملبين مطلبهم بحكم التداخل الاجتماعي البيني والتعايش الذي تجاوز الجيرة إلى الأخوة الصادقة بكل معانيها فجزاهم الله خير الجزاء فقد اعطوا دون تردد وسبقت افعالهم القول ولا غرو إن هم فعلوا فذاك حالهم مع كل المجموعات التي حطت عصا الترحال هناك حتى اصبحت الولاية صورة حقيقية لموريتانيا بكل ألوانها وأعراقها دون تمييز او مضايقة.
وفي ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها البلد؛ شهدت قرية الرشيد (2) هي الأخرى حراكا اجتماعيا (رافضا لمماراسات السياسي المنتخب المتمثلة في "الكبظ" ومشتقاته التي كان السياسي يمارسها على فقراء مجتمعه تنقيصا وتحقيرا بهم)؛ وسياسيا (مطالبا بالمشاركة السياسية رافضا للمتاجرة بأصواته والاستحواذ على مكاسبه السياسية)؛ فضاق السياسي الحالم ذرعا من حالة تزايد الوعي الجماهيري وسرعة انتشاره المزعجة فعمد في إطار ردة فعله المرتبكة أن يطفئ نور الصبح بأشعته المتسربة لا محالة ... فبدا له بعد كل محاولاته غير الموفقة أن يستخدم آخر أسلحته لإسكات أصوات الشعب والمتمثلة في ضرب سكان القرية الوادعة بعضهم ببعض ولما فشل في إشعال نار الفتنة بين الإخوة لجأ إلى مضايقة المواطنين الذين أرادوا تعمير قطعهم الأرضية و المتعارف على ملكيتها من كل سكان القرية منذ ثلاثة عقود أو تزيد ....
يدعي السياسي المنتخب في آخر ألاعيبه المكشوفة أن ملكية القطعة الأرضية ذات الطابع الجماعي والتي تم تقسيمها سنة 1993 على الساكنة المعمرة لها هي املاك شخصية له مصادرا حقوق الجماعة ومنتهكا نصوص القانون الصريحة.. وأن سكان القرية أستولوا عليها بطرق غير شرعية!!!! فأي سقوط في الحضيض هذا؟؟!!.