بسرعة مذهلة تهاوت دولة "أنصار الدين" –التي قامت على أكتاف قاعدة المغرب الإسلامي- واختفى الجميع خلف غبار هجمات السلاح الجوي الفرنسي. لا أثر اليوم لكل ألئك الذين ملئوا الدنيا ضجيجا طوال الأشهر الماضية ووعدوا وتوعدوا، بعد أن بدأت مدن الشمال تتساقط الواحدة تلو الأخرى من دون أدنى مقاومة! حتى أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد خرجت من سباتها لتعلن سيطرتها على مدينة كيدال وجوارها!
لم تكن إذا كل السنة الماضية كافية لبناء دولة على أساس مكين، تستطيع الصمود ولو لشهر واحد! فتبخر الحلم وحان وقت دفع الحساب، ليكتشف قادة التمرد الأزوادي كم كانوا مغامرين حين دفعوا بشعبهم في أتون معركة خاسرة وليدرك قادة القاعدة أن لا مكان لهم خارج الكهوف والتلال الرملية في أعماق الصحراء! وأيضا ليكتشف من دفعوا بهؤلاء وألئك مدى جهنمية ولا أخلاقية أساليبهم ومخططاتهم!
لقد ولت مرحلة "الاستئساد" على فقراء الشمال وتراثه من طرف المتمردين، لتبدأ –أو على الأصح لتتواصل- مأساة سكان منطقة أزواد على أيدي العسكريين الماليين المتلهفين للانتقام. والنتيجة هي ترحيل مئات الآلاف وتدمير مدن الاقليم ونهب الممتلكات وانطلاقة حملة تطهير عرقي قد تكون الأسوأ في شبه المنطقة!
من حق الفرنسيين أن يشعروا بنشوة النصر وهم يستقبلون كالفاتحين في شبه منطقة سبقت لهم مغادرتها وهم يجرون أذيال الهزيمة، ومن حق السلطات المالية أن تعترف بالجميل لمن ساعدوها في استعادة وحدة دولتها، لكن ليس من حق الجانبين الانفراد بتقرير مصير شعب أزواد ومحاولة تركيعه بقوة السلاح، كما ليس من حق سلطات بلادنا أن تظل مكتوفة الأيدي أمام التطورات المتسارعة والمقلقة على امتداد الاقليم!
إن شمال مالي –وكما قال الرئيس توماني توري- هو أيضا شمال موريتانيا وشرقها، فقد اكتوت بناره حين كان متروكا للفوضى وليس من الوارد أن تغيب عنه حين يجري العمل على إعادة ترتيبه! وسيكون من السذاجة بمكان لو خيل إلينا -ولو للحظة- أننا غير متورطين في صراع ليس من أقل أهدافه أهمية زعزعة استقرار بلادنا وعدم تمكينها من استغلال ثرواتها، كما سيكون من قبيل بيع الأوهام الاعتقاد بأن غيابنا سيسهل من مهمة تنظيمات القاعدة أو سيحسم المعركة لصالح إقامة إمارة إسلامية تتحدى الأفارقة والغرب!
ليس المشاركون في الحرب بحاجة إلى قوة الجيش الموريتاني لحسم المعركة مع عدو لا يضخمون قوته إلا من أجل الامعان في إفنائه، وإنما نحن من هم بحاجة إلى الحضور في صراع سنكون مجبرين على التعايش مع نتائجه وبإمكاننا أن نلعب فيه دورا حيويا للحد من تداعياته الكارثية.
اقلام