من الأفضل حلق اللحى في شمال مالي، حيث يقوم الجيش الوطني بحملة بحث عن الإسلاميين والمتعاونين معهم. تحقيق من ديابالي حيث اتهم عجوز بالانتماء إلى جماعة إسلامية متشددة والدليل لحية كثيفة يحملها وجهه.
لون وجه هذا العجوز يزداد احمرارا تحت تأثير الضربات بحزام الجندي. العجوز المرتدي جلبابا بنية الهرب رعبا حافي القدمين من عنف العسكري المالي وتهديداته بقتله قبل أن يتدخل جنود آخرون ويفصلون بينهما.
المشهد يعود إلى الأسبوع الماضي في مدينة ديابالي التي استعادها الجيش المالي بمساعدة فرنسية من أيدي الإسلاميين.
طبعا الصحافة غير مرغوب بوجودها، "ارحلوا من هنا، التصوير ممنوع" يطلب منا نقيب في الجيش المالي كان اصطحبنا قبل قليل برحلة تفقدية في المدينة المستعادة اطلعنا خلالها على آثار القصف. لكن الجو كان ملبدا والكل كان يدرك أن المشهد الذي رأيناه لا يختلف عن مشاهد التطهير الوحشي.
بعد أيام على الحادثة عادت فرانس 24 إلى ديابالي بحثا عن العجوز الجريح صاحب اللحية وللبحث عن وقائع لعمليات تصفيات دموية رافقت عملية استعادة شمال البلاد.
كان العجوز الجريح جالسا عند عتبة داره المتواضعة، فرحا بنجاته من موت رآه بأم العين "جروح الرأس لم تعد تؤلمني، الألم من جروح الجسد، أشكر الله الذي أنقذني" ويضيف العجوز "كنت خارجا للتو من زيارة لصديق، وخلال سيري على الطريق العام اعترضني جندي وطلب أوراقي الثبوتية فقدمتها له. فجأة تحول الجندي إلى شخص عنيف وأخذ يصرخ ما لي ولهويتك أنت إرهابي وسأقتلك".
ويضيف الكهل أنهال الجندي بعد ذلك عليّ بالضرب بالعصا التي كنت أحملها والتي انتزعها من يدي وبحزامه حتى نفر الدم من رأسي.
ويتابع العجوز قصته "في البداية لم أفهم ما يحدث لي، فأنا أقيم في ديابالي منذ 40 سنة، ماشيتي وأولادي هنا... الجندي الذي اعتدى عليّ غريب عن المدينة. أعتقد بأنني من الإرهابيين الإسلاميين ربما بسبب لون بشرتي الفاتح قليلا أو بسبب اللحية التي احملها".
العجوز يشكر الله على نجاته لكن عائلته ترى بأن خلاصه كان بفضل رجل يدعى ساليفو بواريه. ساليفو المعروف في ديابالي كمصور للأفراح وللمناسبات الدينية كانت عدسته تخلد صور شاحنات "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" المحترقة وغيرها من مشاهد الحرب حين سمع صراخا.
حين وصلت إلى مسرح الاعتداء يقول ساليفو، كان الوضع متوترا "الجندي يصرخ ويهدد صحافية بيضاء البشرة طلبت منه التوقف عن ضرب العجوز" تقدمت يضيف المصور وقلت للجندي "يا ريس هذا العجوز هو والد زوجتي".
ويضيف بواريه "انتزع الجندي آلة التصوير من يدي ورفع حزامه في وجهي مهددا" في تلك اللحظة بدأ العجوز في الركض صوب مركز للجيش وتدخل عدد من الجنود حاولوا تهدئة زميلهم. ويؤكد ساليفو "لو كان المعتدي مسلحا لما تردد لحظة في إطلاق النار على العجوز" مضيفا "كانت أنفاس الجندي مشبعة برائحة الخمر، كان ثملا للغاية".
في هذا الوقت نقل الخبر إلى أولاد العجوز الذين شدوا الخطى إلى المركز العسكري، بلال -26 عاما- نجل العجوز لم يصدق عينيه حين رأى الدماء تسيل على وجه والده. الجنود الذين اكتشفوا حماقتهم تركوا بلال يصطحب والده إلى المستوصف حيث تلقى العجوز الإسعافات الأولية. في المستوصف استعاد العجوز هدوءه وطلب من الحشد الذي التف حوله والذي أخذ يطالب بالانتقام الهدوء والتروي.
ولكن الوضع لم يعد إلى طبيعته إلا بعد قيام مسؤول المعسكر وعمدة ديابالي بزيارة العجوز والاعتذار عما حدث. وكما يقال المسامح كريم، فأعتبر العجوز أن القضية انتهت وأن الاعتداء فردي نفذه جندي غريب عن المنطقة.
قصة العجوز كانت نهايتها طيبة ولكن من يعرف حجم عمليات التصفية وعدد الجثث التي ألقيت في الآبار في المناطق المالية الشاسعة المستعادة حيث لا وجود لشهود أو مراقبين.
فرانس 24