شكل تقرير المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان التابع لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، صدمة للرأي العام الوطني وللحكومة، لما تضمنه من اتهامات خطيرة، قد يكون لها ما بعدها ،خصوصا انه يدعم بشكل واضح ادعاءات لمنظمات وأحزاب وطنية بوجود تهميش منهجي لشرائح من نسيجنا الاجتماعي.
تعد هذه الزيارة الأولي من نوعها لمقرر حقوق الإنسان لبلادنا ،وقد جاءت بدعوة من الحكومة علما أن تقريره سيرفع لمجلس حقوق الإنسان في يونيو 2017، وهو متطوع مستقل ولا يتقاضي أتعابا نظير عمله.
تناول التقرير جوانب عديدة سنكتفي بالجانب التنموي منها، لتسليط الضوء عليه لفهم أفضل للتقرير سعيا للاستفادة من ملاحظاته المحقة وتبيان تلك التي نعتقد أن الصواب جانبها.
يشير التقرير في فقرة نظرة عامة، إلي أن موريتانيا بلد غني، ويزخر بمقدرات كبيرة ،إلا أن درجة استفادة الريف منها تظل محدودة ، ويخص ولايات لبراكنة وغورغول والترارزة معتبرا أن سبب فقر الشرائح المهمشة فيها يعود لمصادرة أراضيهم وإعطائها لمتنفذين من الشريحة المهيمنة، هذا ما يستنتج من تلك الفقرة وان لم يقله بنفس الوضوح.
تجاهل التقرير لسبب غير مفهوم بنية اقتصاديات العالم الثالث عامة ومنطقة جنوب الصحراء خاصة ،فالبنية الاقتصادية الشائعة تتسم بتفاوت كبير بين مستوي المعيشة في الريف والحضر، كما أنها تتسم بوجود موارد طبيعية كبيرة غير مستغلة بالشكل الملائم، ليبقي الناتج الوطني الخام غالبا شديد الضعف، وهذا ما ينطبق علي موريتانيا أيضا ولا افهم علاقة ذلك بالتهميش والإقصاء.
صحيح أن سكان تلك الولايات في منطقة سهل شمام أصبحوا أكثر الموريتانيين فقرا، بعد أن كانوا مصدر الغلال في كل موريتانيا وتخومها، لكن ذلك لا يعود لمصادرة الأراضي كما يدعي التقرير، بل إلي سوء التخطيط ، فإنشاء الاستصلاحات المائية ألكبري في حوض نهر السنغال قضي علي الزراعة الفيضية، ولم يؤدي إلي تطوير الزراعة المروية ،مما حول الساكنة إلي بؤساء وهذا الخطأ الكارثي تتحمله الحكومة الموريتانية والبنك الدولي وبقية الشركاء .
يشير التقرير في فقرة القضايا الرئيسية إلي مشكل الإصلاح العقاري الزراعي ولا شك في انه أحد المشاكل الرئيسية التي تعيق التنمية الزراعية في البلد، فمنذ صدور القانون وحتي اليوم ،لم تظهر إلا الجوانب السلبية له، فالعديد من الغابات قطعت ولم تزرع والفقراء والمستثمرون الحقيقيون لا يلجون إلي الأرض الزراعية، لان الملكية التقليدية الإقطاعية هي السائدة وهذا ما لم يفهمه معد التقرير للأسف.
يشير التقرير أيضا إلي مشكل عدم دقة الإحصائيات الوطنية بل تعمدُ تحريفها أحيانا وهذا صحيح في جزئه الأول، فمعظم البيانات الوطنية والتي تشكل أساس إعداد السياسات التنموية تنقصها الدقة وغالبا ما يتم التلاعب بها لتبرير جدوائية المشاريع ،لكن الغريب أن التقرير يذكر أرقاما ويبني عليها استنتاجاته دون أن يكون لها مصدر موثوق وهي مجرد تخمين ! . يغفل التقرير بشكل غير مفهوم أهمية اعتماد البلاد في سياساتها علي إطار وطني لمحاربة الفقر ،والذي يشكل منصة لكل جهود التنمية،وملهما لكل المشاريع الوطنية ،سعيا لمحاربة الفقر لدي الفئات الأكثر هشاشة ،صحيح أن نجاح تلك السياسات يبقي دون المستوي لكن لا يمكن نكران أهميتها مع ذلك.
يختصر التقرير جهود التنمية المستهدفة للطبقات الهشة في وكالة التضامن وبرنامج أمل، وهذا في حد ذاته مجافاة للحقيقة، ومع ذلك فانتقاده لبرنامج أمل وارد ، فهو مكلف وقليل الفعالية، كما أن وكالة التضامن تنقصها الحرفية، لكن الانتقاد لا يجب أن يكون مطية لإصدار اتهامات باطلة.
تميز التقرير بشكل عام بقلة حبكته، فاستنتاجاته ومصادراته، لم تنسجم مع سرد الوقائع، كما يراها معد التقرير،مما يعني أنها جاءت من خارج مشاهداته وملاحظاته علي الأرض.
لا شك أن هذا التقرير ستكون له انعكاسات سلبية كبيرة ،خصوصا أن المقرر جاء بدعوة من الحكومة بعد أن اعتقدت أنها حققت ما يكفي من الانجازات لعرضه للمنظومة الدولية، إلا أنها أخفقت فيما يبدو في عرض تلك الانجازات وإقناع المقرر بها وجاءت النتيجة عكسية.
علي المعنيين بإدارة هذا الملف التوقف عن تبنيي نظرية المؤامرة والتركيز علي إبراز السياسات التنموية ذات الصلة، والاستفادة من الدروس والعبر المستقاة من هذه المعضلة ،وتحرير كتاب ابيض يبين الجهد الحكومي لمحاربة الفقر والتهميش والاستعداد لقادم الأيام، فقد اتسمت ردة الفعل بالإرباك مما يعكس ضعف فهم آلية عمل منظومة الأمم المتحدة.
المهندس:الهيبة ولد سيد الخير