منذ عدة أسابيع ونحن في قطاع التعليم بشقيه الأساسي والثانوي ننتظر من حين لآخر بعثة ، قيل إنها لمكتب "دولي" تم التعاقد معه من طرف الوزارتين الوصيتين على القطاعين، وذلك لمهمة إحصاء موظفيهما .
فاستبشر الجميع خيرا بأن شيئا ما سيتحقق من الصرامة وضبط الموظفين حتى يعود " المَخْفِيون" إلى الميدان لتخفيف الأعباء عن زملائهم المنهكين بالعمل ، وتعويض النقص الحاصل ، والاستغناء عن اكتتاب العقدويين الذين شكلوا عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة وكانوا عاملا أساسيا في تدني المستويات.
غير أننا تفاجأنا بأشخاص عزل يتنقلون بين المؤسسات سيرا على أقدامهم ، أغلبهم عديمي الخبرة و بعضهم تم اكتتابه محليا بطرق شبيهة باكتتاب العقويين سابقا و دون إخضاعهم لأي تكوين ، يعبؤون استمارات ورقية مليئة بالأخطاء والمحو بأيديهم ، ودون تأشير من طرف المؤسسة المزورة ،مما يسهل تمزيقها في النهاية واستبدالها بأخرى ، الأمر الذي يبرهن على أنها ليست رسمية ولا نهائية ، كما شوهد أشخاص غريبين عن الميدان ، جاؤوا خصيصا لحضور عملية الإحصاء ، وربما يحمل بعضهم بطاقات تعريف البعض الآخر .
إن هذه العملية الهزلية بكل المقاييس ، لم تعد سوى حلقة جديدة من الفساد ، فبدلا من كونا تبعث الأمل ، فإنها تذكرنا بأسوء فترات العهود الفاسدة التي أدت إلى ما آل إليه تعليمنا من تردي وفوضوية ، فالمعلمون والأساتذة مكدسون في الوزارات والادارات الجهوية والمفتشيات وفي فروع المعهد التربوي وفي كل القطاعات ، وحتى خارج الوطن تحت عناوين مختلفة ، وكل وزير جاءت به الأقدار إلى هاتين الوزارتين يأخذ حصته من ذلك الفساد ، مع إشراك خاصته من النافذين ، ليظل القطاع وكرا لإخفاء الموظفين من غير وجه حق ، وآخر دليل على ذلك "مذكرات الوزيرين" الأخيرين اللذين عبثا بالقطاع ، حين قاما بانتهاز الفرصة إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة لتوقيع مذكرات تم إعدادها على عجل وشملت 90 % من محيطهما الاجتماعي ومن خاصتهما من النافذين .
يزيد من ذلك الإحباط الذي بدأ يصيب الموظفين داخل القطاع بعد مرور "خطاب الاستقلال" والمصادقة على الميزانية ، دون ذكر أي إضافة قد تحسن من وضع الموظفين "البائس" ، وكذلك موقف النواب العدائي منهم ، مع أخذنا المعذرة من كون تعليمات عليا قد تكون وراء المصادقة على علاوات النواب دون المدرسين باعتبارهم أولوية في هذه المرحلة التي لا بد فيها من ٍ" إسكات النواب" ، وهو ما برهنت عليه الاحتجاجات التي بدأت داخل القطاع .
إننا نهيب بالسلطات العليا في البلد إن كانت لديها نية صادقة لإصلاح القطاع ، أن تتخلص من كل من فيه من أباطرة الفساد ، باعتبارهم الأداة واليد الفاعلة في كل ما آل إليه من تردي ، وأن تكتتب مسؤولين من دولة مالي أو بوركينا فاسو ..... ، على غرار التعاقد مع الأطباء الأجانب الذي سلكته وزارة الصحة لإصلاح قطاعها ، فشتان ما بين أداء وسلوك الطبيب السوري والطبيب الموريتاني من حيث الأخلاق والمهنية ، فبهذا وحده سيتم ضبط الأمور وإرساء لبنة في طريق الإصلاح المنشود .
السالم ولد محمد كابر